للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجر الهيتمي في جزء الفتاوى الجامع للمسائل المنتشرة، بل لها حينئذٍ أهمية بحسب أهمية ثمرتها، كالوقوف على خواص المعدن والنبات المحصل للتمكن في علم الطب، وكمعرفة عمل الآلات النافعة في مصلحة العباد، وإن كان على طريقة الفلاسفة فالاشتغال بها حرام؛ لأنه يؤدي للوقوع في العقائد المخالفة للشرع كما أفاده العلامة المذكور.

نعم يظهر تجويزه لكامل القريحة الممارس للكتاب والسنة للأمن عليه مما ذكرنا، قياسًا على المنطق المختلط بالفلسفة على ما هو المعتمد فيه من أقوال ثلاثة، ثانيها: الجواز مطلقًا، ونسبه الملوي في شرح السلم للجمهور، وثالثها: المنع مطلقًا، ونسبه صاحب السلم لابن الصلاح والنووي. قال الملوي: ووافقهما على ذلك كثير من العلماء. . . ."، إلى آخر الفتوى (١).

اعتمد الشيخ في فتواه في باب الطبيعيات على عَلَم من علماء المسلمين في القرن العاشر، ولا شك أن الهيئة التي يتكلم عليها الغزالي في القرن الخامس أو الطبيعيات التي يتكلم عليها ابن حجر الهيتمي (٢) في القرن العاشر قد تغيرت كثيرًا عمّا هو معهود في عصريهما، ومن الواضح أن التصور السائد عنها أنها علوم نظرية، والنافع منها محدود، بينما هي في حقيقتها وبعد التحولات الكبيرة التي عصفت بها قد أصبح لها فوائدها العملية وأصبحت عصب الحياة المادية، كما أن الإشكال يبقى قائمًا، فإذا كانت الطبيعيات مثار الجدل رغم أهميتها فلِمَ لم يتبن الأزهر أو غيره من المؤسسات العلمية الإِسلامية مثل هذه العلوم بحيث تكون تحت مظلته، فيؤخذ نافعها وتصفى من الملحقات المضرّة بها، أو يتبنى مشروع تصفيتها؟!

إن ظهور هذه الفتوى المفصلة في وقت متأخر مع النقص الحاصل فيها، ليدل على أن الأزهر -فضلًا عن بقية معاهد المسلمين- قد سوّف كثيرًا في إخراج رؤية كاملة نابعة عن تشاور بين العلماء وتمحيص للموقف ودراسة متأنية للقضية، ثم تخرج تلك الرؤية بحيث تقطع الاضطراب، فإذا كانت المحاولات


(١) الفتوى عرضها العقاد في كتابه: (محمَّد عبده) ص ١٣٦ - ١٣٧.
(٢) هو أحمد بن محمَّد بن حجر الهيتمي المصري (٩٠٩ - ٩٧٤ هـ) (١٥٠٤ - ١٥٦٧ م)، تلقى العلم في الأزهر، ومات بمكة، وله تصانيف كثيرة. انظر: الأعلام، خير الدين الزركلي ١/ ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>