للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنه أقصاه بطريقة ذكية، فأوجد ثلاثة أنواع من التعليم، "وهي: تعليم أوروبي خاص بالجالية الأوروبية، يدرسون ما يدرسه الفرنسيون. تعليم فرنسي -إسرائيلي تابع لمدارس الرابطة الإسرائيلية الدولية، باللغة الفرنسية، باستثناء خمس ساعات أسبوعية للغة والثقافة العبريتين. وقد انصبت سلطات الحماية أساسًا على هذين النوعين من التعليم. تعليم للمسلمين نظام ضعيف خاص بهم، وجعله على قسمين:

تعليم العامة: ويكون أساسًا باللغة الفرنسية، إعطاء ثقافة عامة، وهدفه أعوان ويد عاملة وما في بابها.

تعليم النخبة: لأبناء الأعيان، وأغلب دروسه بالفرنسية، والناجح يواصل دراستهُ في التعليم الثانوي الإِسلامي، أنشأته الحماية لصرف سكان المدن من النخبة عن إرسال أبنائهم إلى الشرق" (١).

فجعل التعليم الجيد للمحتلين واليهود أما تعليم المسلمين، فالتعليم إما لتوفير الأيدي العاملة أو لصرفهم عن الاتصال بمعاهد الشرق الإِسلامية، حتى لا يتأثروا بها، وبالطريقة نفسها كان الاستعمار الإيطالي يفكر في ليبيا، فعندما اقترح بعض رجال الإدارة الاستعمارية إلغاء التعليم الديني الثانوي اعترض مدير التعليم في المستعمرات الإيطالية، بحجة أنهم لو منعوه لذهب الطلاب إلى الزيتونة أو الأزهر، فيقتبسون منهم كثيرًا من الأفكار والآراء، فيرجعون إلى بلادهم بأفكار أشد وبالًا على مصالحنا الاستعمارية،. . . . "فلنحدد مدرسة عالية، نحدد التعليم فيها كما نشاء، فلا نضطر الطرابلسيين إلى طلب العلم في خارج بلادهم، حيث تتسمم أفكارهم ونفوسهم" (٢).

انشغل المسلمون بالجهاد وتحرير البلاد وتعطلت الكثير من مشروعاتهم الإصلاحية والتحديثية والتعليمية من أجل التفرغ لفريضة الوقت آنذاك، بينما انشغل المحتل بصناعة جيل عبر التعليم يتولى إدارة العالم الإِسلامي سياسيًا وفكريًا واجتماعيًا، وكان أخطرها تيار التغريب العلماني بمذاهبه المختلفة الذي تولى الدور عن المستعمر بجانبيه السياسي والثقافي، حيث كان المستعمر سياسيًا


(١) انظر: المرجع السابق، آسية، مع بعض التصرف والاختصار ص ٤٩ - ٥١.
(٢) انظر: أحاديث في التربية والاجتماع، ساطع الحصري ص ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>