للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحيحة عن العلاقة بين العلم والدين، أخذها التغريبيون وساروا بها إلى أقصى مداها، فقد جعلوا للعلم الحديث مكانة تصل إلى تأويل كل نص يُتوهم تعارضه مع العلم، مع أنهم لم يبحثوا عن ماهية هذا العلم، وهل هو في حكم الحق الذي لا يتغير حتى نصل إلى استخدام التأويل؟ مما جعل غيرهم يقولون بلسان حالهم أو مقالهم: إذا كان العلم له هذا السلطان فلماذا هذه الإزاحة البطيئة للدين، فنبقى كل يوم نؤوِّل نصًا؟ لماذا لا نضع العلم والفكر والحضارة الغربية في رأس دعوتنا ونفصل الدين عن نشاطنا (١)؟

ليس غرضنا تتبع هذا السجال إلى نهايته، وإنما المراد بيان صورة البيئة الثقافية الجديدة وسكانها بمشاربهم المختلفة، وهي بيئة نشأت في حواضر العالم الإِسلامي بداية العصر الحديث، وقد تأخر حضور التيار الإِسلامي السلفي فيها، لكونها حواضر يغلب عليها الوجود لتيارات أخرى "كلامية وصوفية"، وعندما حضر نجح في إعادة توجيه مسار بعض أصحاب هذه البيئة وإن كانوا لا يلغون الجهود الحسنة والعظيمة التي قام بها مصلحون إسلاميون ينتمون لتيارات أخرى، ولاسيما مدرسة الأفغاني وعبده الشهيرة، فضلًا عن مراكز العلم الإِسلامية المهمة كالأزهر والقرويين والزيتونة.

أخطر ما عرفته هذه البيئة الثقافية الجديدة هو تيار التغريب الواسع، الذي يقود من معه نحو تنفيذ المخطط الغربي الذي يريده للعالم الإِسلامي، وللأسف فهو وإن ادعا تقليد الغرب، فالحقيقة أنه ليس داعيًا إلى تقليد الغرب وإنما هو أداة لتنفيذ برامج غربية يُراد صياغة العالم الإِسلامي على منوالها؛ لأن هذا التيار لو دعا لتقليد الغرب لكان هناك من الأمور الحسنة التي ينبغي أخذها عن الغرب ما يكفي لتفهم موقفهم من علوم رياضية وهندسة وعمران وإدارة وعلوم طبيعية وعلوم الطب وعلوم الصناعة والتقنية وغيرها كثير، ولكن بالعودة إلى تيار التغريب لا نجد شيئًا واضحًا في هذه الجوانب بخلاف ما لا نفع فيه أو نفعه مشكوك فيه أو ضرره أكثر من نفعه من أفكار وأيديولوجيات وآداب وفنون وغيرها، بخلاف الأمور النافعة فقد شارك عامة المسلمين في نقلها بحيث لا يحسب ذلك لأهل التغريب.


(١) انظر مثلًا: نقد الفكر الديني، د. صادق العظم ص ٢٢ - ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>