للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأفكار الغربية ثوب العلمية في أثناء توظيفهم لها في انتقاص الإِسلام والطعن فيه ويتفانون في الدعوة له ولو خالف ذلك المعقول (١).

كما أنهم كوّنوا نظامًا علمانيًا سياسيًا، ومن ذلك تولد مشروع علمنة المجتمع عبر علمنة مؤسساته ونظمه، وقد حظي التعليم بنصيب الأسد من ذلك، وكما اعتنى الاستعمار بعلمنة التعليم وإقصاء روح الإِسلام من مؤسساته واصلت الأحزاب التغريبية هذه المهمة، حتى أصبح الإِسلام غريبًا فيها أو غير معروف لطلابها.

لقد ظهرت الدولة "القومية العربية الاشتراكية" في مصر والعراق والمغرب واليمن وغيرها نموذجًا لنجاح تلك الأحزاب الثلاثة، ومن أخطر ما تبنته هو العلمانية، ولاسيما بصورتها الكمالية نسبة لكمال أتاتورك التي لم يعرفها حتى الغرب الذي أنشأها (٢)، ومارست عملها الخطير في مؤسسات المجتمع وأكبر ضحاياها مؤسسة التعليم، حيث تحولت هذه المؤسسة إلى تحقيق الأيديولوجية العلمانية لهذه الدولة العصرية، وكانت هذه الدولة -دولة ما بعد الاستعمار- ثمرة الجهد الطويل من تغريب المجتمع الإِسلامي التي تولت بعد ذلك مأسسة الحياة كلها وفق قيم غربية تسمح ببقائنا في حالين خطيرين: البعد عن الإِسلام والضعف أمام العالم.

بعد هذه الرحلة ماذا نقول؟ عندما نقارن أسباب التقدم بأسباب الانحراف ماذا نجد؟ ما الخلاصة التي نصل إليها؟ لو كانت أسباب التقدم موجودة وعاملة لرأينا ثمارها ورأينا الإسهام في العلم، ورأينا الاستقلال العلمي الواضح، ولكن لا يوجد شيء واضح من ذلك، وها هي فكرة الابتعاث تزداد دون توقف، وهاهي الفجوة تتسع دون توقف، مع مرور ما يقرب من قرنين، وهو يعني أن هناك


(١) ذكر "محمَّد باروت" في كتابه: حركة القوميين العرب طرفةً عن أحدهم، عن الغلو الذي وصل ببعضهم لدرجة عرضه أفكار "إنجلز" حول تحول القرد إلى إنسان لأحد الفلاحين فكاد يفقد حياته ص ٤٦٤.
(٢) لقد قارن كاتب مدافع عن العلمانية بين علمانية أتاتورك وبين ما يتمناه، والحقيقة أن تلك التي وصف بها علمانية أتاتورك هي نفسها التي طبقتها الأحزاب العربية، انظر: الفكر الغربي في القرن العشرين. . . .، شاكر النابلسي ٢/ ٢١٩ وما بعدها، وانظر: المرجع نفسه ٢/ ٢٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>