للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمراضًا مصاحبة لهذا النشاط العلمي تعليق نموه، ولكن هناك ما هو أسوأ من ذلك في المرحلة الماضية؛ وهو الانحراف الذي تسرب إلى هذا المشروع التحديثي المهم، وتوغل بقوة في الرؤية وفلسفة العلم وعلاقته بالدين. . . .، وأصبح حملًا ثقيلًا على الأمة، ويحتاج لجهد كبير من الفكر الإِسلامي المعاصر حتى يخلص الأمة من هذا الحمل، ومن أفضل الوسائل لتحقيق ذلك البحث في أسباب وجوده، ثم محاولة تصحيح الخطأ، ومنع الفساد، ومواجهة الأهواء، وقد أوصل التحليل السابق لمجموعة نتائج ذات صلة بهذا المطلب الإصلاحي، وأهمها:

أولًا: أن ضعف مؤسسات العلم الإِسلامية وعدم مبادرتها في تصحيح المسار قد فتح الباب لغيرها، فابتعد مسار العلوم العصرية عن مسار العلوم الإِسلامية، وأخطر صور الضعف الانشغال بعلوم لا نفع فيها أو بأعمال لا ثمرة منها، وأثر ذلك في صنع تصورات معيقة للعلم والعمل الصحيح، ومن بوادر التصحيح ما نراه من نشاط بارز في العالم الإِسلامي من جهة الأسلمة أو التأصيل أو غيرها من المشروعات. ولكن في التجربة الماضية ما يكفي من الدروس للأمة الإِسلامية بعدم التهاون مع العلوم الدنيوية من جهة وضع التصورات والأطر، ومن جهة العناية بها وحث النابهين لتحصيلها وتخفيف موانع تعلمها مع تقوية ربطها بالتصور الإِسلامي، وأهمية تصحيح العلاقة بين علوم الدين وعلوم الدنيا بعد أن فصلت بينها التجربة المعاصرة، ووضعت إسفينًا في تلك العلاقة، وها هو "الشافعي" -رحمه الله- أحد أعلام الأمة وأحد المؤسسين للعلم الإِسلامي يقول: "العلم علمان: علم الدين وهو الفقه، وعلم الدنيا وهو الطب، وما سواه من الشعر وغيره، فعناء وعبث"، وقد تعلم الطب كما تعلم علوم الدين، وكان له عناية بذلك -رحمه الله- (١).

ثانيًا: تعد المدرسة مكان العناية بالعلم العصري بما تحويه من رؤية ومنهج وموضوعات، وقد كانت تجربتها مريرة؛ حيث حُرمت المشروعات الإصلاحية المتكاملة من النجاح بخلاف تلك الضعيفة أو المتغربة أو المشبوهة أو الأجنبية


(١) انظر: سير أعلام النبلاء ١٠/ ٤١، وانظر: مقدمة الرسالة للشافعي، تحقيق الشيخ أحمد شاكر ١/ ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>