للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متواترًا أم آحادًا (١).

٢ - "يجب عينًا -في كل نص- أن نعتمد معناه الظاهر المتبادر منه، ولا يسوغ لنا تأويله وصرفه إلى معنى آخر غير متبادر، إلا إذا قام دليل عقلي قطعي يناقض معناه الظاهر، فحينئذ يكون قيام ذلك الدليل العقلي قرينة دالة لنا على أن معناه الظاهر غير مراد للشارع، بل مراده معنى آخر غير ما يتبادر منه، فنؤول النص حينئذ، ونصرفه إلى معنى آخر غير الظاهر المتبادر على سبيل الاحتمال، يكون قابلًا له، وغير مناقض لذلك الدليل العقلي القطعي. هذه هى القاعدة الكلية في النصوص الشرعية التي اعتمدها أهل السنة والجماعة" (٢). وهذا من أحسن مواقف الشيخ مع التنبه إلى أن كثيرًا مما ظنّه المفكرون دليلًا قطعيًا عقليًا قد لا يكون كذلك وإنما هو من الشُبه. وحتى في الأدلة العلمية الحديثة، فإن "العلم الحديث" لا يعترف بمبدأ الدلالة القطعية، والدلالة القطعية أقرب إلى المنهج الصوري الاستنباطي، أما المنهج التجريبي الاستقرائي القائم على جزئيات ونماذج، ثم تتحول إلى تعميم، وتبقى علمية ما لم يحدث ما ينقضها في مستقبل العلم. والسؤال هنا: من المؤهلون الذين سيحكمون أن الدليل المخالف لظاهر النص الشرعي هو قطعي الدلالة؟ وهي مهمة عسيرة، يأتي بعدها المؤهل لصرف اللفظ عن ظاهره، فإلى أي معنى يُصرف هذا اللفظ؟ ففي الآيات المتعلقة بالمخلوقات وللعلم الحديث مقال فيها: هل نصرفه إلى ما دلّ عليه العلم الحديث؟ فالقاعدة التي ذكرها الشيخ قاعدة مميزة، وإنما تظهر الصعوبات في حقيقة قدرتنا على تحديد "الدليل القطعي" المخالف لظاهر النص الشرعي، وإلى أي معنى نصرف اللفظ (٣).


(١) انظر: مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن قيم الجوزية ٢/ ٥٢٦ وما بعدها، وانظر: موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة. . .، سليمان الغصن ١/ ١٦٣ وما بعدها، وانظر: منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، عثمان حسن ١/ ١١٥ وما بعدها.
(٢) انظر: الحصون الحميدية ص ١٤٨ مع تصرف خفيف.
(٣) ذكر شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله- أربعة شروط لصرف النص الشرعي عن ظاهره، انظر: الفتاوي ٦/ ٣٦٠ وما بعدها، وانظر: هذا المبحث عند الأصوليين، شرح مختصر الروضة ١/ ٥٥٨ وما بعدها، تحقيق د. عبد المحسن التركي، وفي باب العقيدة، انظر: موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة .. ، د. سليمان الغصن ٢/ ٧٩٨ وما =

<<  <  ج: ص:  >  >>