للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقط نستنكر مثل هذه المستجدات أو نستهلكها، بل إن "ترقية الصنائع والمخترعات لتحصيل المصالح الدينية والدنيوية من الجهاد في سبيل الله" (١). ولا شك أن موقف هؤلاء سيكون أكثر اعتراضًا على العلوم النافعة المعروفة في الغرب، ولذا اعتنى الشيخ برفع الالتباس عندهم في خُطَبه ودروسه وتأليفه، وإن كان حالهم أيسر من حال طائفة أخرى متغربة؛ لأن ما عندهم يزول بالعلم، ولكن مشكلتهم أنهم يُسهّلون مهمة المتغربين، فأهل التغريب يتكئون على مثل هذه المواقف الشاذة لجعلها دليلًا على أن الدين ضد العلم والتقدم والمدنية ويتجاهلون في الوقت نفسه موقف علماء الإِسلام المشهود لهم بالعلم والإمامة في الدين التي تبين الموقف الحق.

لم تكن مشكلة نفور بعض الناس من الأمور الحديثة هي ما عالجه الشيخ فقط، بل انصرف أيضًا إلى دعاوى أهل التغريب في موقفهم من الحضارة الغربية القائم على أخذ أسوأ ما فيها من عقائد وأفكار وتصورات وقيم ونبذهم للدين. والشيخ -رحمه الله- يدرك أن الانحراف معروف في الأمة، ولكنه شعر بنوع جديد منه يرتبط بالاتصال الجديد بالحضارة الغربية، وقع هذا الاتصال من أناس عندهم هزيمة نفسية كبيرة، وقابلية ربما للانحراف، وضعف ذاتي أمام تلك الحضارة، فتحولوا إلى أداة هدم للأمة. ومما زاد من ذلك حادثة "القصيمي" الشهيرة: فهي وإن كانت غير مستبعدة نظريًا -أي: أن يوجد من ينحرف-، إلا أنها واقعيًا ولاسيما من أمثال القصيمي تكون ذات أثر خاص، وربما يكون ذلك من الابتلاء للأمة حتى تتحرك في مواجهة التحديات ولا تغفل عنها. وفتنة القصيمي بأنه كان محسوبًا على أهل العلم والفضل، وله جهوده في الرد على الانحرافات بأجوبة قوية ومميزة، ثم ينعطف وهو في هذه المنزلة والمكانة إلى أقصى اليسار في عملية انسلاخ نادرة الحدوث، فيتحول إلى نابذ للدين منكر لأصوله وعقائده وشرائعه، وأنه أغلال في وجه أن نعيش حياتنا ونتقدم كالأمم المتقدمة. يهون الأمر عندما يظهر شخص منحرف من أوساط الناس، أما أن يكون من أهل العلم والفضل فإن في ذلك أثره على واقع البيئة التي ظهر فيها، عندها شعر علماء كبار


(١) الخطب المنبرية ص ٨١، عن: الشيخ عبد الرحمن بن السعدي وجهوده في توضيح العقيدة ص ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>