للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما طلبه للعلم، وجاء في الحديث "فجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر نقرة أو نقرتين في البحر، فقال الخضر: يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر" (١).

وهذا البعد الذي يرسخه الإسلام حول العلم له أهميته، فكل علم هو من الله سبحانه، وكل علم البشر لا يساوي شيئًا في علم الله سبحانه، وبهذا مهما بلغت علوم البشر من الكثرة والإبهار فهي نقطة بل لا شيء في علمه سبحانه، وإدراك هذا الأمر له أهميته، ومن صور الأهمية: عدم الغرور بما يصل إليه البشر من علم، بل ذاك يدفع أهله إلى التواضع، ومن ثمّ شكر المولى على ما فتح على الناس من علم والانتفاع به بما يرضي الرب سبحانه، والأمر الثاني الذي نستفيده من هذا الأمر أن العلم بحر لا نهاية له، وعلى المسلم طلب المزيد من العلم الذي ينفعه، وعلى المسلمين عدم الوقوف عند أي باب من العلم إلا في باب جاء الشرع بطلب التوقف فيه، وما عداه فالعلم بحر واسع وعلى الناس الأخذ منه دون توقف، وأعلاه العلم بالله وبما يوصلنا إليه، ويدخل في ذلك تبعًا كل علم نافع يحتاجه الناس.

وهذا الأصل العظيم يجعل الأمة متوازنة في تحصيل العلم وفي موقفها من العلم، فلا تغتر بما حصلت عليه كما حدث للكفار من الاغترار بما وصلوا إليه من علوم، ولا تقف عند حدّ في طلب النافع منه.

وتبع الأمر السابق بيان أن كل علم البشر هو من الله سبحانه، فهو الذي خلق الكون بسننه التي يكتشف منها البشر شيئًا بعد شيء، وهو الذي خلق للإنسان أدوات التعلم والإدراك من سمع وبصر وعقل، فيكون ما يحصلون عليه من علم هو من الله، ويعلمون في النهاية أن ذلك مما يفتح الله به على خلقه قال -تعالى-: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: ١١٣]، وقال -تعالى-: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ


(١) متفق عليه، البخاري برقم (١١٩) كتاب العلم، باب ما يستحب للعالم إذا سُئل: أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله، ومسلم برقم (٤٣٨٥) كتاب الفضائل، باب من فضائل الخضر - عليه السلام -.

<<  <  ج: ص:  >  >>