للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: وجهة نظر في الدين مبنية على الاعتقاد بأن التقدم العلمي والثقافة المعاصرة يستلزمان إعادة تأويل التعاليم الدينية التقليدية على ضوء المفاهيم الفلسفية والعلمية السائدة" (١). يكشف التعريف بثقل المعارف الجديدة على فكر هؤلاء لدرجة أن جعلوها الأصل، ومن ثمّ القيام بتأويل ما يعارضها من الدين، ومع أنه من المتفق عليه أن المعارف تقبل التغيّر وأن الدين في أخباره وأصوله العامة لا يقبل التغير؛ إلا أنهم جعلوا الدين بمثابة المتغير الذي يمكن تعديله ما بين فترة وأخرى.

يعطينا هذا التعريف الإطار العام لحقيقة هذا الاتجاه وهو في الوقت نفسه يحيلنا لمشكلته المنهجية، والمتأمل في أفراده لا يجدهم سواء، فمنهم من يبالغ في التأويل ومنهم من يتحفظ ولا يتسرع، ومع ذلك فالإطار العام يحويهم جميعًا، فهم قد جعلوا من صلب مشروعهم إيضاح العلاقة بين الدين والعلم.

فسنجد صورة من الغلو تكاد تذهب بالدين كله كما هي الحال مع تجربة الاتجاه (التوفيقي - العصراني) الهندي، بخلاف الحال في الجزء العربي من العالم الإِسلامي، ولاسيّما مع الشيخين "جمال الدين الأفغاني" و"محمَّد عبده"، حيث كانا في هذا الباب بالذات أكثر اعتدالًا مما وقع لأهل التجربة الهندية، إلا أن المتأثرين بالشيخين انقسموا إلى قسمين:

فمنهم قسم: حافظ على الاعتدال ولاسيّما من تأثر منهم بكتب شيخ الإِسلام ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله-، فمع احترامهم للشيخ محمَّد عبده وتقديرهم لمكانته وجهوده؛ إلا أنهم خالفوه في منهجه وكثير من مواقفه وتطبيقاته، وهم أعلام كثر في مصر والشام والعراق وبلاد المغرب وغيرها، ومن هذه الطائفة من حافظ على الصلة بالمنهج (الصوفي/ الأشعري) وظلّ وفيًا لمنهج الشيخ محمَّد عبده وهم مجموعة من فضلاء الأزهر.

أما القسم الثاني: فهم الذين جرفتهم تيارات التغريب والعلمنة إلى صفوفها، وصرفتهم إلى قضاياها، ووجهت جهدهم ونشاطهم في خدمة أهدافها،


(١) انظر: العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب، محمَّد الناصر ص ١٨٦، وانظر: المورد، منير البعلبكي ص ٥٨٦، وقد ساد في الكتابات المعاصرة إضافة (الألف والنون) آخر الكلمة لتسمية الاتجاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>