للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشجع على العلم والفلسفة والبحث الحر، بل هو عائق لها، بما فيه من اعتقاد للغيبيات وخوارق العادات والإيمان التام بالقضاء والقدر. . . ." (١). وقد شعر الطلاب المسلمون في فرنسا بالمشكلة، وتأثروا عندما جاء النقد من شخص مشهور مثل رينان، كما أن حماستهم لدينهم وثقافتهم لم يمحها إلى الآن الانبهار بالغرب، وفي ذلك يقول أحدهم: "لما كان الذب عن الدين فرضًا على الإنسان، وحب الوطن من الإيمان، اجتمع جمع غفير من طلبة العلم المصريين المقيمين بفرنسا، وكلفوا أخاهم العبد الفقير "حسن عاصم" بتعريب الخطبة التي ألقاها رينان. . . . طعنًا في دين الإِسلام والأمة العربية، وبتعريب ما كتبه الفيلسوف الكبير صاحب الفكر الصائب المسيو مسمر. . . . والغرض أن نقف على الطعن والرد، كلَّ من كان على دين الإِسلام أو من الأمة العربية، حتى يمكنهم تفنيد كلام المسيو رينان، فيفعلوا إظهارًا للحق" (٢). وقد جاء في رد الأفغاني: "إن المحاضرة تشتمل على نقطتين أساسيتين: (١) أن الديانة الإِسلامية كانت -بما لها من نشأة خاصة- تناهض العلم؛ (٢) أن الأمة العربية غير صالحة بطبيعتها لعلوم ما وراء الطبيعة ولا للفلسفة" (٣). ورغم شهرة الرد والنقاش مع "رينان"، وما أثاره من آراء متعارضة داخل العالم الإِسلامي، فإنه قد لا يكون بالقوة المأمولة، ولاسيّما من رجل أميل إلى النشاط السياسي مقابل رجل ميدانه الفكر والفلسفة طول حياته. ولكن الحوار زعزع من مكانة قضية كان يراد ترسيخها آنذاك، وبدأت تؤثر في طائفة وتزعج طائفة، وهي أن الإِسلام ضد العلم والعقلانية والتفكير، ولذا كان موقف جمال الدين هنا موقف المدافع، بخلاف موقفه من النيشتيرين فقد كان مهاجمًا لهم، فاعتبر هذا الموقف جديدًا على الساحة الإِسلامية؛ أي: أن يوجد من يرد على الغربيين بمنطق فكري مؤثر يخفف على الأقل من تأثّر الشباب المسلم المثقف بالفكر الغربي.

ولكنه في دفاعه أبرز منهجية "التأويل وهذا ما لاحظه أحد المتأملين في تلك الحادثة حيث قال: "إن الأفغاني كان يرى أن المعاني الباطنة في القرآن


(١) زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين ص ٨٦، وانظر: أوروبا والإِسلام -صدام الثقافة والحداثة، هشام جعيط ص ٣٣ - ٣٩.
(٢) المرجع السابق ص ٨٨.
(٣) المرجع السابق ص ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>