للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى، وانني أقول عن نفسي: إنني لم يطمئن قلبي بمذهب السلف تفصيلًا إلا بممارسة هذه الكتب.

فنحن قد سمعنا بآذاننا شبهات على بعض الآيات والأحاديث لم يسهل علينا دفعها وإقناع أصحابها بصدق كلام الله وكلام رسوله إلا بضرب من التأويل وأمثال تقربها من عقولهم ومعلوماتهم أحسن التقريب، وقد غلط كثير من علماء الكلام والمفسرين في بيان مذهب السلف وفي معاني التفويض والتأويل وتجد تفصيل ذلك لنا أوائل تفسير سورة آل عمران، كما أخطأ من قالوا: إن الدليل العقلي هو الأصل، فيرد إليه الدليل السمعي، ويجب تأويله لأجل موافقته مطلقًا، والحق كما قال شيخ الإِسلام ابن تيمية:. . . ." (١)، ثم جاء إلى موضع الشاهد، وهو الأقرب من الشيخ والأعرف بمراده فقال: "فظواهر الآيات في خلق آدم مثلًا مقدم في الاعتقاد على النظريات المخالفة لها من أقوال الباحثين في أسرار الخلق وتعليل أطواره ونظامه ما دامت ظنية لم تبلغ درجة القطع" (٢).

اضطررت إلى نقل هذا النص رغم طوله لما يكشفه من أشياء منهجية مهمة حول شيخ هذا الاتجاه، أهمها: أن مصطلحات سائدة كالتفويض والتأويل، وهما ركنان مهمان في المنهج قد وقع فيهما غلط كبير، كما أن الغلط امتدّ إلى الموقف الصحيح من التعارض بين النقل والعقل: ما حقيقته؟ وكيف العمل معه؟ كما أنه يكشف -إلى حدٍ ما- عن سبب ميل الشيخ إلى مثل هذه التأويلات، ويعود ذلك في الغالب إلى تأثير النظريات الحديثة. وأخيرًا يكشف هذه العلاقة العجيبة بين الشيخ وتلميذه، فقد تغير التلميذ بعد اطلاعه على تراث الإمامين البارزين ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله-، وهذا التغير قد حدث في أغلب المتأثرين بمحمد عبده، فبقدر ما فتح محمَّد عبده آفاقهم الفكرية وحرر عقولهم وزاد من وعيهم بمشكلات عصرهم وواجبهم نحوها بقدر ما ورطهم في منهجيات غير سليمة. ووجدوا المخرج منها فيما اكتشفوه من علم ابن تيمية وابن القيم. ومع ذلك فقد بقي وفاؤهم للشيخ محمَّد عبده دون قبول منهجه بإطلاق، وكان أبرزهم علماء الشام المعاصرين، ولاسيّما الشيخ "محمَّد رشيد رضا"، حيث


(١) المرجع السابق ١/ ٢٥٢ - ٢٥٣.
(٢) المرجع السابق ١/ ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>