للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرعية عن الدين، غير علمية؛ لأنها غير موضوعية، وأن الدين قد بقي كل هذه القرون غير علمي حتى جاء دوركايم الملحد وأمثاله من اليهود (١) ليعلموا الناس دراسة الدين دراسةً علمية، ومثل هؤلاء ينزلقون بسهولة مع دعاوى العلمانيين والملحدين في الغرب، فيُبعدونهم عن علوم الإِسلام التي قامت على الدين ودراسته وبيانه، ويُحيلونهم إلى دراسات عجيبة متناقضة في موضوعاتها ومتفقة في خصومتها للدين وبغضها له ومحاربتها له.

وقد رأينا بأن المنهج الإِسلامي يوجب على أهله الابتعاد عن الهوى، ويأمرهم بقبول الحق إذا ظهر، حتى وإن خالف ما تهواه النفس، فإذا كانت هذه هي الموضوعية، فلا حاجة إلى استبعاد الدين كشرط للموضوعية (٢)، قد يناسب ذلك في استبعاد أديان باطلة ومحرفة وترفض الحق إن خالف أصولها، وهذا لا ينطبق على الإِسلام؛ لأن استبعاده يعني استبعاد المصدر الحقيقي للمعرفة، فكيف يتم استبعاده؟

بل إن الباحث المسلم يعلم علم اليقين بأن الكفار والملحدين لو التزموا بموضوعية صارمة، تقف مع الحقيقة دون ميل لوصلوا إلى ما يقرره الدين الحق، ولكن الذي يحدث لهم هو أن أثر الكفر والإلحاد والعلمنة، وكره الدين يطغى على الباحث في العلوم وبذلك تظهر النظريات المخالفة للدين تحت دعوى الموضوعية والعلمية.

وأيضًا فإن وجود موضوعية بهذه الصورة تكاد تكون مستحيلة؛ فإنه إذا كانت فلسفات العلم المعاصر ولاسيّما بعد الثورة في الفيزياء المعاصرة تجعل من الصعب الفصل بين الذاتي والموضوعي (٣) حتى في الجانب المادي فكيف بغيره (٤). فإذا كان ذلك عسيرًا فلماذا نستبعد المصدر الحقيقي للمعرفة والمانع من الانحراف والضلال الديني والمعرفي وهو الوحي؟!


(١) من الملاحظ وجود عدد كبير من اليهود المؤسسين لعلم الاجتماع، ورائدهم "دوركايم" هو من أسس لهذه الموضوعية في كتابه: قواعد في المنهج في علم الاجتماع، وانظر: الفصل الأول والثاني من الباب الأول، والفصل الثاني من الباب الثالث.
(٢) انظر: تمهيد في التأصيل. . . .، عبد الله الصبيح ص ٥٥ - ٥٦.
(٣) راجع الفصل الأول من الباب الأول.
(٤) فهناك من يرى استحالة ذلك في العلوم الاجتماعية، انظر: التأصيل الإِسلامي للعلوم الاجتماعية، د. إبراهيم رجب ص ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>