للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنهم مع كونهم من أهل العلم والمعرفة لا يعلم أحد منهم الغيب إلا الله.

وهذا هو الغيب المطلق عن جميع المخلوقين الذي قال فيه: {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا}.

والغيب المقيد ما علمه بعض المخلوقات من الملائكة أو الجن أو الإنس وشهدوه، فإنما هو غيب عمن غاب عنه ليس هو غيبًا عمن شهده.

والناس كلهم قد يغيب عن هذا ما يشهده هذا فيكون غيبًا مقيدًا؛ أي: غيبًا عمن غاب عنه من المخلوقين لا عمن شهده، ليس غيبًا مطلقًا غاب عن المخلوقين قاطبة.

وقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}؛ أي: عالم ما غاب عن العباد مطلقًا ومعينًا، وما شهدوه فهو سبحانه يعلم ذلك كله" (١).

فالإِسلام يقر بالغيب، ويقرر وجود غيب مطلق، نعلمه بالخبر الصحيح، وقد بثّ الله من الدلائل عليه في الآفاق والأنفس، وأنزل من الموازين والدلالات العقلية والحسية، ما يثبت لكل طالب حق وباحث عنه بوجود حقيقة الغيب الذي جاء به الخبر، حتى وإن لم نره، فقد أصبح الغيب أصلًا مهما من أصول الإِسلام، لا تقوم حياة الإنسان الكاملة إلا بالإقرار به، ومن ثم لا يصح دينه ولا تقوم نجاته إلا بالتصديق بالغيب، ولن تصلح حياة الناس إلا بالإقرار بالغيب. ومن هنا نعلم سبب المكانة العظيمة للغيب في الإِسلام، وأنها أساس الإِسلام الذي لا يقوم إلا بالإيمان بالغيب، يقول سيد قطب: "حقيقة الغيب من "مقومات التصور الإِسلامي" الأساسية؛ لأنها من مقومات العقيدة الإِسلامية الأساسية؛ ومن قواعد "الإيمان" الرئيسية ..

وذلك أن كلمات "الغيب" و"الغيبية" تلاك في هذه الأيام كثيرًا -بعد ظهور المذهب المادي- وتوضع في مقابل "العلم" و"العلمية" .. والقرآن الكريم يقرر أن هناك "غيبًا" لا يعلم "مفاتحه" إلا الله. ويقرر أن ما أوتيه الإنسان من العلم قليل .. وهذا القليل إنما آتاه الله له بقدر ما يعلم هو -سبحانه- من طاقته ومن حاجته. وأن الناس لا يعلمون -فيما وراء العلم الذي أعطاهم الله إياه- إلا


(١) الفتاوى، ١٦/ ١١٠، وانظر: أسس المنهج القرآني. . . .، د. منتصر مجاهد ص ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>