للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك لتزاوج الأوصاف العلنية فيها مع المقاصد الخفية وتزاوج العلل المشهودة مع الحِكَم "بكسر الحاء" المبثوثة" (١).

وقد ترتب على هذين المبدأين صور من الانحراف "وتوضيح ذلك أن لمفهوم "الجواز" تعلقًا بالإرادة، حيث إن الظواهر التي يستقرئ العلم الوضعي أسبابها هي من صنع الإرادة الإلهية التي تعلقت بهذه الأسباب، وكان بالإمكان أن تتعلّق بأسباب غيرها لو شاءت هذه الإرادة أن تكون الظواهر على غير ما هي عليه، أو شاءت أن يدركها الإنسان على غير الوجه الذي أدركها عليه، كما أن لمفهوم "الباطن" الذي يقترن بظاهر الأشياء، تعلقًا بالغاية التي أنيطت بكل ظاهرة والتي ترتقي بها إلى عالم القيم المعنوية" (٢).

ولا شك أن في تعطيل الإرادة الإلهية والقول بسببية جامدة له أبعاد غيبية خطيرة لما في ذلك من تحديد القدرة الإلهية والإرادة والخلق (٣)، ومن أمثلته إنكار كل خارق بحجة معارضته لمثل هذه السببية الجامدة، كما أن القول بالآلية ومنع الحِكم الإلهية من وجود ما أخبر الرب بوجوده من مغيبات ذات غايات لا يمكن لأهل الحتمية فهمها من مثل وجود الوحي والرسالات السماوية وعالم المخلوقات الغيبية واليوم الآخر، وغيرها من الأمور الغيبية التي تعارض حتميتهم.

وهذه الأصول مبنية على تصور مادي للعلم موروث من ماديي ووضعيي القرن الثالث عشر / التاسع عشر، وقد شهد العلم في القرن الرابع عشر/ العشرين تحولات مهمة سبق شيء من التوقف معها، أضعفت مثل هذه الأصول المادية، وقد خرجت دراسات فكرية مهمة في هذا الميدان تبيّن المسافة الكبيرة والخطيرة بين رؤيتين للعلم، رؤية اشتهرت لدى ماديي القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، ورؤية جديدة مناقضة لها ما زالت تتشكل إلى اليوم تتعارض تمامًا مع القديمة، ومن بين هذه الدراسات نجد كتاب "العلم من منظوره الجديد" الذي يحدثنا عن الفرق بين الرؤيتين: القديمة المادية والجديدة، فقد انتهت القديمة بحسب مترجم


(١) سؤال الأخلاق ص ٩٤.
(٢) المرجع السابق ص ٩٥.
(٣) انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/ ١١١٩ - ١١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>