للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه من جبريل، والمسلمون سمعوه من النبي - صلي الله عليه وسلم -، كما قال -تعالى-: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} وقال: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} " (١)، ولكن إدراك حقيقة الكيفية التي وقع بها ذلك الأمر من الغيب، وليس له طريق إلا الوحي.

وقد عُرفت في تاريخ الفكر الإِسلامي صور من إنكار الوحي، لاسيّما تلك الدعوى القائمة على تحويله إلى ظاهرة بشرية، مثل قول بعض المتفلسفة عن القرآن بأنه: "فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص: قوة الإدراك وسرعته، لينال من العلم أعظم مما يناله غيره! وقوة النفس، ليؤثر بها في هيولى العالم بقلب صورة إلى صورة!. وقوة التخييل، ليخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة، وهي الملائكة عندهم! وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل وتذهب وتجيء وترى وتخاطب الرسول، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان" (٢)، وبهذا يُغفلون كون القرآن من كلام الله، وأحالوه للعقل الفعال، وأنكروا الملك الذي تكفل بإيصال الوحي، وجعلوا الوحي صورة من صور التجلي البشري ولاسيّما ممن زكت نفوسهم، وليس وحيًا من رب العالمين، فتحول الوحي معهم إلى صورة أخرى لا علاقة لها بما جاء بيانه على لسان الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

أمثلة على الانحراف في الوحي:

لم تبتعد الانحرافات المعاصرة عن ذلك كثيرًا، فجوهر الانحراف عندهم واحد، ولكن المعاصرين يلتحفون بدعوى العلمية، لاسيّما ميدان العلوم الاجتماعية واللغوية الحديثة، وُيعد الوحي عند متطرفي المتغربين من الأوهام، فـ "شبلي شميل" مثلًا "يعتبر أن كثيرًا من مفردات القاموس الديني تنهل من ينابيع الخيال والأوهام، فالوحي والبعث والخلود والثواب والعقاب الأخرويات وعالم الروح وعلة العلل. . . . كلها مفاهيم ذات مصدر غير مادي. ومن ثمّ فهي تنتمي إلى عالم الأحلام والأوهام. وهو يعتبر أن الاستسلام إلى أباطيل هذا العالم كان


(١) الفتاوي ١٢/ ٥٨٢.
(٢) شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز ٢/ ٤٠٢ - ٤٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>