للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما يزال مجلبة لشر كبير في الاجتماع البشري. وهو شر يمكن اجتنابه بالتفكير العلمي المستند إلى حقائق الطبيعة والواقع" (١)، فالعلم عند هذه الطائفة هو المادية، حيث اختزلت العلم في هذا الباب ثم أنكرت كل ما ليس بمادي ومحسوس، وليس لهم من دليل سوى جهلهم بالوحي.

ومن بين أكثر المفكرين انحرافًا في هذا الباب وأكثرهم كتابة فيه، نجد الدكتور محمَّد أركون، ويعود السبب في ذلك إلى أن مشروعه الفكري يقوم على نقد العقل الإسلامي، وهو يرى بأن هذا العقل يرتكز أساسًا على الوحي، ولذا فلابد من وضع الوحي ذاته في صلب المشروع النقدي، وقد استخدم في ذلك منهجيات مختلفة، لغوية وتاريخية وعلمية وفلسفية، وهو يزعم أنه يقدم بذلك دراسة علمية عن الوحي، ولكن هذه الدراسة تصل في نهايتها إلى التكذيب بالوحي، ويكفي ذلك دليلًا على بطلان هذه العلمية.

يعرض في البداية التصور الإِسلامي عن الوحي في نقاط متسلسلة: تبدأ بالإيمان بالله، وهذا الإله قد أوحى إلى البشر من خلال رسول، وقد جمع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - في القرآن، وهذا القرآن كامل وشامل، ويحوي الحقيقة (٢). . . .، ويأخذ منه ذاك العرض مكانة خاصة، ويعرضه وكأنه اكتشاف كبير، مع أن كل مسلم حتى طلاب المدارس يعرفون مثل هذا الخط ويؤمنون به. إلا أن الجديد عنده، أن هذا الخط بينما يؤمن به الناس، فإنه فيما يظهر من كلامه لا يؤمن به، بل إن من هدف دراساته: نقضه والخروج عليه، بحيث يضع خطًا آخر (٣)، يلغي فيه الغيب، فيُقصي منه الله، والمَلَك، والوحي، ثم يلغي منه الرسول الذي استقبل الوحي، ثم يلغي المصحف الذي تواتر عند الأمة أنه كلام الله، ويكتفي بدعاوى منها: الانطلاق من الإنسان وجعله محور الاهتمام، في نوع من التبعية لدعوى المذهب الإنساني، الذي يريد الاهتمام بالإنسان بعد أن كانت القرون الوسطى تهتم بالإله كما يقولون، ومثل هذه الدعوى الإلحادية


(١) الفلسفة النشوئية .. ، د. محمود المسلماني ص ١٨٣.
(٢) يتكرر عرضه لهذا الخط في أكثرُ من كتاب من كتبه، منها: القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني ص ١٩، ١٢١، وانظر: الإِسلام، الأخلاق والسياسة ص ١٨٣، وانظر. أين هو الفكر الإِسلامي؟ ص ١٦٢.
(٣) انظر: القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني ص ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>