للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحرك للعقل الأوروبي بعد أن أيقظه من سبات طويل (١).

وقد كان لهذه التركة العلمية الكبيرة المنقولة إلى الغرب أثر في إحداث أمرين مزدوجين: فمن جهة كشفت للمهتمين بالعلوم ضعف ما بين أيديهم، ومن جهة أخرى كانت أرضًا صلبة اتكأ عليها علماء الغرب في انطلاقتهم العلمية الجديدة.

لقد كانت إذًا الشرارة الأولى من الحضارة الإسلامية، وذلك بعد النقل الكبير لكثير من معارف المسلمين وترجمتها إلى لغاتهم التي بدأت بقوة من القرن (٦ هـ - ١٢ م) تقريبًا وما بعده، حيث ازدهرت في تلك المرحلة عملية الترجمة، وتحولت وقتها أوروبا إلى ما يشبه ورشة عمل مستمرة -وقد حدث في صورة سابقة مختلفة نوع من هذا النشاط في بلاد المسلمين "في القرن الثالث الهجري/ الثامن الميلادي تقريبًا" عندما ترجمت حضارة اليونان وغيرها إلى بلاد المسلمين، وتُعد هاتان المرحلتان في الترجمة من أشهر فترات الترجمة بين الحضارات- فترجمت عن المسلمين علومًا نافعة ومناهج جديدة مثمرة قادت أوروبا إلى عصرها الحديث.

ومن أهم الأمور التي نقلها الغرب عن الحضارة الإسلامية: علوم قديمة طورها المسلمون وهذبوها، وعلوم جديدة أبدعها المسلمون يمكن إضافتها إلى حصيلة الفكر البشري، والأهم مما سبق المنهج الجديد -الذي أرسى دعائمه المسلمون- في طريقة البحث والنظر في العلوم الدنيوية، وهم بهذا يفتحون أعين الباحثين على أكثر من منهج في البحث والنظر بعد أن سيطر المنهج الصوري الأرسطي فترة طويلة (٢).

وقد كان من عادة الكثير من باحثي الغرب التنكر لهذه الحقيقة، لاسيّما في مرحلة الغرور الغربي وتعصبهم للذات الغربية والاحتقار لكل الشعوب


(١) انظر: رحلة الفكر الإسلامي. . . .، السابق ص ٩٦.
(٢) انظر: الموسوعة العربية العالمية، ١٦/ ٣٦٣، ٤١٠ - ٤١١، وانظر: التقييم الإبستمولوجي -المنهجي لمساهمات العلماء المسلمين وإضافاتهم في العلوم الرياضية والطبيعية من كتاب قضايا المنهجية في العلوم الإسلامية والاجتماعية، د. محمد على الجندب ص ٣١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>