للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو يجد المحاور ليونة في قلب خصمه وانكسارا , فيكون للتذكير والوعظ في مثل هذه الأحوال مجالاً , فيحرص المحاور على استعمالهما أحياناً ولا يكثر منهما, فعن ابن مسعود، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - «يتخولنا بالموعظة في الأيام، كراهة السآمة علينا» (١) , ويكون هدف المحاور في التذكير والوعظ؛ انتفاع الطرف الآخر أو إقامة الحجة عليه, يقول سبحانه: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (٩)} (٢) , قال القرطبي رحمه الله: " فذكر أي فعظ قومك يا محمد بالقرآن. إن نفعت الذكرى أي الموعظة. وروى يونس عن الحسن قال: تذكرة للمؤمن، وحجة على الكافر , وقال الجرجاني: التذكير واجب وإن لم ينفع. والمعنى: فذكر إن نفعت الذكرى، أو لم تنفع " (٣) , وقد يكون التذكير والوعظ في نفس موضوع الحوار كالدعوة إلى الله كما هو الحال في بعض حوارات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , وقد يكون في غير موضوع الحوار.

فقد كان مصعبٌ - رضي الله عنه - يهتم بالوعظ والتذكير , وينتهز الفرص السانحة , والتي يتوقع فيها أن للوعظ أو التذكير أثراً في محاوره , فعندما أرادت أمه صده عن الدين , استعملت معه شتى الوسائل , ولم تستطع إلى ذلك سبيلا , " فجعلت تبكي , فقال مصعب - رضي الله عنه -: يا أماه إني لكِ ناصحٌ عليك شفيقٌ , فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله , قالت: والثوَاقِبِ (٤) لا أدخل في دينك فيُزرى


(١) البخاري: مصدر سابق , كتاب العلم, باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا ,١/ ٢٥ , رقم ٦٨.
(٢) سورة الأعلى: آية (٩).
(٣) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن , دار الكتب المصرية , القاهرة , ط٣ , ١٣٨٧ , ٢٠/ ٢٠.
(٤) الشهب المضيئة. الرازي: مختار الصحاح ,المكتبة العصرية , بيروت , ط٥ , ١٤٢٠هـ , ص٤٩.

<<  <   >  >>