للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تجلسُ فتسمعُ؟ " (١) , فكان أدباً لطيفاً يطلب منه الجلوس ليسمعه ما يريد , واستعمل معه أسلوب الاستفهام التقريري (٢) , ولم يستعمل معه بعض الأسئلة القوية والتي قد يتضجر منها المحاور.

خامساً: الإعراض اللفظي:

إن الإعراض قد يكون بالجسد أو بالعين أو بالوجه أو باللفظ , ويستعمل المحاور هذا الأدب , حين لا يجدي الحوار , ولا يغني العتاب , ويكون ذلك عند كثرة أخطاء الخصم وإصراره , أو ارتكابه خطأً فادحاً قد يتضرر به المحاور , أو غير ذلك , ولا يكون استعماله إلا إذا اضطر إليه المحاور , ولا يكثر منه؛ لأن نتائجه أحياناً تكون غير جيدة , وقد أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالإعراض عن المستهزئين والذين يخوضون في آيات الله , قال سبحانه: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨)} (٣) , قال السعدي رحمه الله: " المراد بالخوض في آيات الله: التكلم بما يخالف الحق، من تحسين المقالات الباطلة، والدعوة إليها، ومدح أهلها، والإعراض عن الحق، والقدح فيه وفي أهله، فأمر الله رسوله أصلا وأمته تبعا، إذا رأوا من يخوض بآيات الله بشيء مما ذكر، بالإعراض عنهم، وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل، والاستمرار على ذلك، حتى يكون البحث والخوض في كلام غيره، فإذا كان في كلام غيره، زال النهي المذكور. فإن كان مصلحة كان مأمورا به، وإن كان غير ذلك،


(١) ابن هشام: مصدر سابق , ١/ ٤٣٥.
(٢) الأزدي , محمد بن يزيد: المقتضب ,إحياء التراث الإسلامي , القاهرة , ط٢ , ١٤١٥هـ , ٣/ ٣٠٨.
(٣) سورة الأنعام: آية (٦٨).

<<  <   >  >>