للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سادساً: التعريض والتلميح بدل التصريح:

إن الحوار الناجح يقوم على الوضوح والصراحة بين المتحاورين , وذلك في طرح الآراء والأفكار؛ لما للوضوح من إعانة على فهم أبعاد الحوار , والوصول في الغالب إلى نتيجة مرضية , ولكن يحتاج المحاور في بعض آرائه أحياناً إلى التلميح في حواره دون التصريح؛ لأن بعض الآراء يجلب التصريح فيها أضراراً تعيق سير الحوار , فالمحاور الذكي لا بد أن يكون فطناً لتلك الآراء التي تحتاج إلى تلميح وتعريض , والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصرح في كلامه غالباً ويعرض أحياناً , ففي غزوة بدر أخذ يعرض بكلامه - صلى الله عليه وسلم - يريد به أناساً , فكلما تكلم أحد أعرض عنه ليُفهم منه أنه لا يريده , حتى نطق الذي يعنيه - صلى الله عليه وسلم - , فعن أنس - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاوَرَ حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر - رضي الله عنه -، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر - رضي الله عنه -، فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة - رضي الله عنه -، فقال: إيَّانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها (١)، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد (٢) لفعلنا، قال: فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدراً ... " (٣) , فقد أثّر تعريض النبي - صلى الله عليه وسلم - , وكان لوقع هذا التعريض في قلب سعد بن عبادة - رضي الله عنه - كبيراً.


(١) الْخَوْضُ: الْمَشْيُ فِي المَاء. الهروي , محمد بن أحمد: تهذيب اللغة , دار إحياء التراث العربي , بيروت , ط١ , ٢٠٠١م , ٧/ ١٩٦.
(٢) برك الغماد: مَوضِع فِي أقاصي هجر. السبتي , عياض موسى: مصدر سابق , ١/ ١٧٨.
(٣) مسلم: صحيح مسلم , دار الفكر , بيروت , ط١ , ١٤٢٤هـ , كتاب الجهاد والسير , باب غزوة بدر , ص٩٠٠ , رقم (١٧٧٩).

<<  <   >  >>