للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منطقة الشرق الأوسط، وقف الرئيس الأمريكي چورچ بوش (الأب) في مؤتمر مدريد للسلام في ٣٠ أكتوبر ١٩٩١م معلنًا أن «القضية في الشرق الأوسط ليست مجرد قضية إنهاء الحرب، وإنما هي قضية إنهاء العداوة».

فالعداوة التي أشار إليها - ظاهرًا - هي تلك التي بين العرب والدولة الصهيونية اللقيطة، ولكن المدقق يجد أن العبارة تحمل دلالة عميقة جدًا لم ينطق بها هذا القسيس عفويًا، لا سيما في مؤتمر عالمي أعدت أچندته بدقة. فهو لا يعنيه الحديث عن العداوة القائمة بين قوميات بقدر ما يعنيه الحديث عن عداوة من نوع آخر؛ فالغرب الذي حرَّض في الأساس نصارى الشرق (المستنيرين) على زرع بذور القومية في تربة الخلافة، وأقنعهم بأن هذا سبيلهم للتخلص من ربقة (الاستعباد المِلَلي)، ونيل الحرية والمساواة، ثم جَنَى ثمارها وحده بموجب اتفاقية (سايكس-پيكو) (١)، ولم يُبقِ لهم إلا النزر اليسير (٢)،

لا يكون هو نفسه الذي يدعو إلى إنهاء العداوة القومية، وإنما يدعو لإنهاء العداوة التي من أجلها زرع بذور القومية، وهي العداوة القائمة على أسس عقائدية.

وإنهاء هذه العداوة العقائدية الأساس يقتضي - حسب أطروحة فوكوياما - نشر القيم الديمقراطية الليبرالية في المنطقة، وهو ما يستدعي بالتالي إبقاء دولة إسرائيل قائمة،


(١) معاهدة سايكس-پيكو Sykes-Picot Agreement: هي تفاهم سري عقد في ١٦ مايو من عام ١٩١٦م بين فرنسا وبريطانيا وبمصادقة روسيا على اقتسام الهلال الخصيب (أي حوض نهري دجلة والفرات، والجزء الساحلي من بلاد الشام) بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. ولقد تم التوصل إلى هذه المعاهدة في الفترة ما بين نوفمبر ١٩١٥م ومايو ١٩١٦م بين الديپلوماسي الفرنسي فرانسوا چورچ پيكو François Georges-Picot (١٨٧٠ - ١٩٥١ م) ونظيره الإنجليزي مارك سايكس Mark Sykes (١٨٧٩ - ١٩١٩ م).
(٢) يذكر ألكسي چورافسكي أن «الفئات المثقفة الواعية من المسيحيين تدرك بوضوح متزايد مع مرور الوقت أن وراء الكلمات الطنانة الكبيرة عن الرسالة التحضيرية لأوروپا، وعن دفاعها النزيه عن مصالح الأقليات وكرامتها، تتستر عمليًا المصالح المادية والسياسية لتلك الدول الغربية. ومن هنا، فإن النقد الموجه للغرب أصبح نقطة انعطاف مهمة في مؤلفات وكتابات مسيحيي الشرق العربي في مرحلة ما بين الحربين العالميتين .. إذ إن وضعهم لأنفسهم مقابل أوروپا (أو قل نقيضًا مضادًا لها في أحيان كثيرة) أقنعهم بالعودة مجددًا إلى أطروحة الأمة العربية». [انظر، ألكسي چورافسكي: الإسلام والمسيحية، ص (١٨٣ - ٤)].

<<  <   >  >>