للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سنرجئ الحديث عن الپروتوكولات إلى حينه .. ولكن، قد يقول قائل: إذا كانت النبرة اليهودية السائدة اليوم هي النبرة الصهيونية، فما الداعي لهذا (الجدل البيزنطي) العقيم؟!

أقول: إن هذا الجدل البيزنطي له مغزى، وهو التنبيه على خطورة الاعتقاد في هذه المتتالية التاريخية ثم الترويج إليها على هذا الوجه؛ لأنه وجه زائف يحوي مغالطة ذات شقين: تآمري وعاطفي؛ فعلى الجانب التآمري، فهي بالتالي تخلق شعورًا بوجود مؤامرة عالمية منظمة تضرب بجذورها في عمق التاريخ البشري، كما يقول محمد خليفة التونسي رحمه الله (ت. ١٤٠٨هـ) (١): «لليهود منذ قرون خطة سرية غايتها الاستيلاء على العالم أجمع، لمصلحة اليهود وحدهم، وكان ينقحها حكماؤهم طورًا فطورًا حسب الأحوال، مع وحدة الغاية» اهـ.

فالمُعتقَد لدى الكثير منَّا أنه منذ أن تآمر ملك اليهود هيرودس أجريپا Herod Agrippa (١٠ ق. م-٤٤م) ورهط آخرون على قتل المسيح - عليه السلام - اعتقادًا في تجديفه، وبعد أن عاقبهم الله تعالى وقطَّعهم في الأرض أممًا، سعى اليهود مساعي جادة بطرق شتى للعودة إلى الأرض المقدسة، إلى أن تحقق الحلم في إقامة دولة اليهود Judenstaat التي وضع لبنتها الأولى ثيودور هرتزل Theodor Herzl (١٨٦٠ - ١٩٠٤ م)، ولم يخلُ الأمر حتمًا من وقوع سلسلة من المؤامرات (المتناقضة/المنظمة)! شرقًا وغربًا لنشر الإلحاد والفساد بين الجوييم Goyim أو الچنتيل Gentiles أو الأمميين (٢)، تمهيدًا لظهور المسيح حاكم اليهود المنتظر، والذي لا بد أن يسبق قدومه شيوع للفساد بين الأمميين. فكأن اليهود صاروا بذلك (آلة قدرية) تهيء الأجواء وفقًا لمعتقداتهم، وكأن البشر صاروا بين أيديهم أحجارًا على رقعة الشطرنج، كما يصف وليم جاي كار (١٨٩٥ - ١٩٥٩م) في كتابه المعروف (٣).


(١) محمد خليفة التونسي: الخطر اليهودي، پروتوكولات حكماء صهيون، ص (٣٤ - ٥).
(٢) كما يطلقون على غير اليهود، والجوييم في عرفهم هم وثنيون وكفرة وبهائم وأنجاس ... إلخ.
(٣) William Guy Carr: Pawns in the Game، وهذه الرؤية الاختزالية (العربية/الإسلامية) تتجلى في الكتابات التي تناقش ما يتعلق بأمر الماسونية. وإن كنت لا أجد مجالًا للتوسع في مناقشة حقيقة الماسونية =

<<  <   >  >>