للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما لم يجدوا ما يُغضبوا به عليه الرومان تقوَّلوا عليه وكذبوا: «وأخذوا يتهمونه فيقولون وجدنا هذا الرجل يثير الفتنة في شعبنا ويمنعه من دفع الجزية إلى القيصر ويدَّعي أنه المسيح الملك» (١).

«ثم كلم [رئيس الكهنة] هيرودس [ملك اليهود] والوالي [الروماني] قائلًا: كيفما كانت الحال فإن بين أيدينا معضلة. لأننا إذا قتلنا هذا الخاطئ خالفنا أمر قيصر. وإن تركناه حيًا وجعل نفسه ملكًا فكيف يكون المآل؟ فوقف حينئذ هيرودس وهدد الوالي قائلًا: احذر من أن يكون عطفك على ذلك الرجل باعثًا على ثورة هذه البلاد. لأني أتهمك بالعصيان أمام قيصر. حينئذ خاف الوالي مجلس الشيوخ وصالح هيرودس وكانا قبل هذا قد أبغض أحدهما الآخر إلى الموت. واتحدا معًا على إماتة يسوع وقالا لرئيس الكهنة: متى علمت أين الأثيم فأرسل إلينا نعطك جنودًا. وقد عمل هذا لتتم نبوءة داود الذي أنبأ بيسوع نبي إسرائيل قائلًا: اتَّحد أمراء الأرض وملوكها على قدُّوس إسرائيل لأنه نادى بخلاص العالم. وعليه فقد حدث تفتيش عام في ذلك اليوم على يسوع في أورشليم كلها» (٢).

قال تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ. إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ. وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (٣).

وبعد أن رفع الله تعالى المسيح - عليه السلام - أنزل اليهود والرومان الوثنيين بأتباعه أشد ألوان العذاب والاضطهاد، يقول أبو زهرة رحمه الله (٤): «لم يكن اضطهاد المسيحيين - بعد رفع المسيح - عليه السلام - من الرومان فقط، بل كان من اليهود أيضًا، وأذاهم أمكن، وتنقيبهم عن العقيدة أدخل، لأنهم من الشعب ومخالطوهم ومعاشروهم، فهم بداخلهم أعرف».


(١) لوقا ٢٣: ٢
(٢) برنابا: ٢١٠: ٢٣ - ٣١
(٣) آل عمران: ٥٤ - ٥٧
(٤) محمد أبو زهرة: محاضرات في النصرانية، ص (٣١) بتصرف يسير.

<<  <   >  >>