للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخلال تجارب الاضطهاد المرة والحرب الأهلية وجد الپيوريتانيون في العهد القديم بشكل خاص اللغة والأحاسيس التي تنطبق عليهم وتناسبهم تمامًا؛ حيث كانت التجربة الحقيقية للصراع الديني والسياسي والاضطهاد تلك التي جعلت مجازات العهد القديم محتملة الصحة، ودفعتهم لاستعمال لغته والأسماء الواردة فيه باعتبارها أنسب أداة لنقل أفكارهم العنيفة.

ولقد جلبت الپيوريتانية لإنجلترا اجتماعيًا وفكريًا الغزو (العبري) الذي كان قد اجتاح القارة الأوروپية. وأصبحت العبرية أمرًا محسوسًا على الشعب وفي حياة الأمة اليومية. كذلك تغلغلت التعابير العبرية في الحديث الإنجليزي، بل إن بعضهم كان يعتبر العبرية اللغة الوحيدة للصلاة وتلاوة الكتاب المقدس (١).

ولقد واجهت الأفكار الپيوريتانية استياءً عامًا مع بداية ظهورها في بداية القرن السابع عشر، خاصة لدى الملك چيمس الأول King James I (١٥٦٦ - ١٦٢٥ م)، حيث رأى أن حمل أفكار العصر الألفي السعيد على محمل الجد يعتبر انتهاكًا شخصيًا واعتداءً على حقوقه الخاصة كحاكم مطلق (٢). كذلك تعرضت هذه الأفكار للنقد في الپرلمان حيث انطلقت تحذيرات بعض الأعضاء من أنبياء متهودين جدد يطالبون بالبعث اليهودي.

ولكن جذور هذه الأفكار الصهيونية رسخت في الحياة الروحية لإنجلترا وانبعثت من جديد ووصلت عصرها الذهبي في العهد الپيوريتاني اللاحق (٣)، حين أصبحت الپيوريتانية بإيمانها بالعصر الألفي السعيد في مركز القوة، فحينئذ لقيت فكرة البعث اليهودي قبولًا واسع النطاق.


(١) السابق، ص (٣٥ - ٧) باختصار.
(٢) حتى إنه قد أصدر أوامره لمترجمي النسخة الإنجليزية من الإنجيل المعروفة بنسخة الملك چيمس - والتي استغرق إعدادها الفترة من عام ١٦٠٤ إلى ١٦١١م - بالحد من تأثير الأفكار الپيوريتانية على هذه الترجمة. [انظر، موسوعة ويكيپيديا، مادة: Authorized King James Version KJV].
(٣) د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (٣١).

<<  <   >  >>