للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الأقل من الفائض البشري اليهودي. وهذا بالتالي يؤدي إلى رضوخ اليهود إلى الحل الاستعماري الغربي كحل (وحيد) للمسألة اليهودية.

ولقد تلقَّف وليام هشلر William Hechler (١٨٤٥ - ١٩٣١ م) - القس الإنجليكاني الملحق بالسفارة البريطانية في فيينا - كتيب هرتزل، وعاونه في عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا عام ١٨٩٧م، والذي فيه حوَّل خطة تحقيق المشروع الصهيوني إلى برنامج سياسي.

تقول باربرا فيكتور (١): «من وجهة نظر المحترم [أي هشلر]، كانت الخطة المقترحة من قبل هرتزل لوطن يهودي في فلسطين دليلًا ملموسًا على أن النبوءة التوراتية بشأن عودة اليهود إلى الأرض المقدسة ستنصب على المجيء الثاني للمسيح ... في بداية علاقتهما، ارتاب هرتزل من مُحاوره الذي كان يشُك بأنه يغذي مشاعر معادية للسامية. ففي الحقيقة، حاول هيشلر مرارًا إقناع هرتزل، أو على الأقل، حمله على أن (يُدرِج الله) في مفهومه للدولة اليهودية. ومع ذلك، طوَّر الرجلان علاقات صداقة متينة ... واستمرت تلك الصداقة إلى حين الموت المبكر لهرتزل في سن الرابعة والأربعين. وبينما كان يحتضر، استدعى هذا الأخير هيشلر إلى قرب سريره وهمس في أذنه: "أوصل شعلة الصهيونية إلى العالم المسيحي"» اهـ.

ولقد وضعت الحركة الصهيونية نصب عينها بعد انعقاد مؤتمرها الأول القيام بمهام ثلاث هي: استعمار فلسطين، ومحاولة خلق شعب يهودي واحد متجانس، وإنشاء حركة تكون بمنزلة (رأس الرمح) في البرنامج الصهيوني الاستعماري. وتضمَّن هذا البرنامج تشجيع الاستعمار الصهيوني في فلسطين، وتأسيس منظمة تربط يهود العالم عن طريق مؤسسات محلية أو دولية طبقًا لقانون كل دولة، وتقوية الشعور القومي اليهودي، والحصول على موافقة حكومية لبلوغ الأهداف الصهيونية، وصولًا إلى «إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين يحميه القانون» (٢).


(١) باربرا فيكتور: الحرب الصليبية الأخيرة، ص (٢١٦) باختصار.
(٢) من الواضح أن المؤتمر الصهيوني الأول كان معلومًا لدى الجميع وقراراته كانت معلنة، ولذا لا مجال لدينا للتسليم لما قاله التونسي في ترجمته للپروتوكولات: «أما أول مؤتمراتهم فكان في مدينة بازل بسويسرا سنة ١٨٩٧م برئاسة زعيمهم هرتزل، وقد اجتمع فيه نحو ثلثمائة من أعتى حكماء صهيون كانوا يمثلون خمسين جمعية يهودية، وقد قرروا في المؤتمر خطتهم السرية لاستعباد العالم كله تحت تاج ملك من نسل داود، وكانت قراراتهم فيه سرية محوطة بأشد أنواع الكتمان والتحفظ إلا عن أصحابها بين الناس، أما غيرهم فمحجوبون عنها ولو كانوا من أكابر زعماء اليهود، فضلًا عن فضح أسرارها لغير اليهود. ولكن الله قدر أن ينفضح بعضها وما يزال سائرها سرًا، وإن كان فيما ظهر منها ما يكشف بقوة ووضوح عما لا يزال خافيًا» [انظر الترجمة، ص (٣٧ - ٨)]. أيضًا ما قاله في ص (٣٩ - ٤٠) أنه عندما وقعت الپروتوكولات في يد سرچي نيلوس: «افتضحت نيات اليهود الإجرامية، وجنّ جنونهم خوفًا وفزعًا، ورأوا العالم يتنبه إلى خططهم الشريرة ضد راحته وسعادته .... واشتد هلعهم لذلك كله، فقام زعيمهم الكبير الخطير ثيودور هرتزل أبو الصهيونية، وموسى اليهود في العصر الحديث يلطم ويصرخ لهذه الفضيحة، وأصدر عدة نشرات يعلن فيها أنه قد سرقت من (قدس الأقداس) بعض الوثائق السرية التي قصد إخفاؤها على غير أصحابها ولو كانوا من أعاظم اليهود، وأن ذيوعها قبل الأوان يعرض اليهود في العالم لشر النكبات، وهب اليهود في كل مكان يعلنون أن الپرتوكولات ليست من عملهم، لكنها مزيفة عليهم» اهـ. يقول الدكتور المسيري معلقًا: «وهذا تخريف ما بعده تخريف، فوقائع هذا المؤتمر الأول وما تلاه من مؤتمرات موجودة في كتب بالألمانية والعبرية والإنجليزية والفرنسية وتُرجم بعضها إلى العربية، ونحن نعرف الكثير الكثير عن هذا المؤتمر الذي دعا له هرتزل، وكذلك جميع المؤتمرات التالية. فنحن نعرف، على سبيل المثال لا الحصر، أن المؤتمر الصهيوني الأول (١٨٩٧م)، قد حضره ما بين ٢٠٠ و٢٥٠ مندوب، نعرف عنهم كل ما يلزم من تفاصيل للقيام بعمليات التحليل والتفسير»، ويقول كذلك: «لم يشر هرتزل إلى الپروتوكولات أدنى إشارة في يومياته المفصلة التي دون فيها أدق تفاصيل حياته» اهـ[د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (٧٣، ٧٦)].

<<  <   >  >>