للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك نلاحظ في الفقرة ذاتها التعاقب الزمني لمبعث الأنبياء الثلاثة: موسى وعيسى ومحمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين، فتقول: «أقبل الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتجلَّى من جبل فاران»؛ وللحافظ ابن رجب الحنبلي (٧٣٦ - ٧٩٥هـ) كلامٌ نفيسٌ في المسألة، فيقول رحمه الله تعليقًا على ما رواه البخاري من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم، ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى، كرجل استعمل عمالًا، فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، على قيراطين قيراطين، ألا لكم الأجر مرتين. فغضبت اليهود والنصارى، فقالوا: نحن أكثر عملًا وأقل عطاء، قال الله: هل ظلمتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا، قال: فإنه فضلي أعطيه من شئت» (١).


(١) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء: ٣٤٥٩، ويذكر إنجيل متَّى رواية مشابهة جاءت على لسان عيسى - عليه السلام - جاء فيها: «فإن ملكوت السماوات يشبه رجلًا رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر فعلة لكرمه. فاتفق مع العملة على دينار في اليوم وأرسلهم إلى كرمه. ثم خرج نحو الساعة الثالثة، ورأى آخرين قيامًا في السوق بطالين. فقال لهم اذهبوا أنتم أيضًا إلى الكرم فأعطيكم ما يحق لكم فمضوا. وخرج أيضًا نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل كذلك. ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرج ووجد آخرين قيامًا بطالين فقال لهم لماذا وقفتم ههنا كل النهار بطالين. قالوا له لأنه لم يستأجرنا أحد قال لهم اذهبوا أنتم أيضًا إلى الكرم فتأخذوا ما يحق لكم .. فلما كان المساء قال صاحب الكرم لوكيله ادع الفعلة وأعطهم الأجر مبتدئًا من الآخرين إلى الأولين. فجاء أصحاب الساعة الحادية عشرة وأخذوا دينارًا دينارًا. فلما جاء الأولون ظنوا أنهم يأخذون أكثر فأخذوا هم دينارًا دينارًا. وفيما هم يأخذون تذمروا على رب البيت. قائلين هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار والحر. فأجاب وقال لواحد منهم يا صاحب ما ظلمتك أما اتفقت معي على دينار. فخذ الذي لك واذهب فإني أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك. أو ما يحل لي أن أفعل ما أريد بما لي أم عينك شريرة لأني أنا صالح. هكذا يكون الآخرون أولين والأولون آخرين لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون». [متى ٢٠: ١ - ١٦].

<<  <   >  >>