للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن تيمية (١): «المنصوص عن أحمد تبديع كل من توقف في خلافة علي، وقال: هو أضل من حمار أهله، وأمر بهجرانه، ونهى عن مناكحته، ولم يتردد أحمد ولا أحد من أئمة السنة في أنه ليس غير علي أولى بالحق منه، ولا شكُّوا في ذلك» اهـ.

ولا يدور الإشكال هنا حول استحقاق علي - رضي الله عنه - الخلافة، فكلام شيخ الإسلام رحمه الله قد أغلق الباب في المسألة، ولو أن أحدًا طعن في ذلك لما صح انتسابه إلى السنة والجماعة. لكن الإشكال الذي نواجهه يدور حول سلوك بعض الباحثين من أهل السنة المسلك الرافضي الذي يخلط بين بيعة علي - رضي الله عنه - وبين قتال الفتنة الذي كان الخلاف حوله اجتهاديًا مصلحيًا تضاربت فيه الآراء بين الصحابة، وكان الإمساك عنه أولى وأحوط، وحقيقة أفجعني ما صرح به أحد المنتسبين إلى التيار الإسلامي إلى إحدى الصحف حيث قال (٢): «ومن المستقر أيضًا في الفكر الذي ربيت عليه أن عليًّا كرَّم الله وجهه (٣)

كان أصلح وأتقى من معاوية الذي اغتصب الخلافة، ثم حوَّل المسلمين إلى أدوات له ثم ملَّكهم لذريته الفاسدة وهذا تاريخ ثابت ..». وقبل ذلك بنحو ثلاث سنوات حرر أحد الصحافيين الأقزام ملفًا خاصًا بعنوان: (من عائشة أم المؤمنين إلى عثمان


(١) ابن تيمية: مجموع الفتاوى (٤/ ٤٣٨).
(٢) انظر، جريدة (المصري اليوم)، عدد السبت ١١/ ٤/٢٠٠٩م، والكلام للأستاذ يوسف ندا.
(٣) يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: «وقد غلب هذا في عبارة كثير من النُّسَّاخ للكتب، أن يفرد علي - رضي الله عنه -، بأن يقال: - عليه السلام -، أو: كرَّم الله وجهه، وهذا وإن كان معناه صحيحًا، لكن ينبغي أن يُسَاوى بين الصحابة في ذلك؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان بن عفان أولى بذلك منه، رضي الله عنهم أجمعين» ـ[تفسير ابن كثير (٦/ ٤٧٨ - ٩)]، وقد علَّق الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله على هذا بقوله: «وقد ساقه السَّفاريني [ت. ١١٨٨هـ، يقصد قول ابن كثير المتقدِّم] في (غذاء الألباب) [١/ ٢٥] ثم قال: "قد ذاع ذلك وشاع، وملأ الطروس والأسماع. قال الأشياخ: وإنما خُصَّ علي - رضي الله عنه - بقول: كرَّم الله وجهه؛ لأنه ما سجد إلى صنم قَط، وهذا إن شاء الله لا بأس به، والله الموفق"اهـ. قلت: أما وقد اتخذَته الرافضة أعداء علي - رضي الله عنه - والعترة الطاهرة فلا؛ منعًا لمجاراة أهل البدع، والله أعلم. ولهم في ذلك تعليلات لا يصح منها شيء ومنها: لأنه لم يطَّلع على عورة أحد أصلًا، ومنها: لأنه لم يسجد لصنم قَط .. وهذا يشاركه فيه من وُلِدَ في الإسلام من الصحابة - رضي الله عنهم -، علمًا أن القول بأي تعليل لابد له من ذكر طريق الإثبات ... وفي سياق بعض الأحاديث تجد قولهم: "كرَّم الله وجهه" عند ذكر علي - رضي الله عنه -، ولا نعرف هذا في شيء من المرفوع، ولا أنه من قول ذلك الصحابي، ولعله من النسَّاخ. والأمر يحتاج إلى الوقوف على النُسَخ الخَطِّية الأولى» اهـ[د. بكر أبو زيد: معجم المناهي اللفظية، ص (٤٥٤ - ٥) باختصار].

<<  <   >  >>