للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- المرحلة الثانية: مرحلة التثبت وتبين الأسباب التي دفعت إلى ارتكاب الخطأ، وهذا الأمر متمثل في قوله - صلى الله عليه وسلم - لحاطب: «ما حملك على ما صنعت؟» (١)، وهذه المرحلة مهمة، لأنه إذا تبين بعد طرح هذا السؤال أن هناك عذرًا شرعيًا في ارتكاب الخطأ تنتهي القضية عند هذا الحد، فإذا لم يكن العذر مقنعًا من الناحية الشرعية فإنه يصار إلى:

- المرحلة الثالثة: وفيها يتم جمع الحسنات والأعمال الخيِّرة لمرتكب الخطأ، وحشدها إلى جانب خطئه، فقد ينغمر هذا الخطأ أو هذه السيئة في بحر حسناته. وهذا الذي سلكه الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع حاطب - رضي الله عنه - حيث قال لعمر عندما استأذن في قتل حاطب: «أليس من أهل بدر؟»، ثم قال: «لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم» (٢).

ولذا، ينبغي أن نعلم أن تلك الأحداث الواقعة في صدر الإسلام لا يبررها غير ظروفها التي وقعت فيها، فلا تحكم عليها بالعقلية أو الظروف التي نعيش فيها نحن أو بأية ظروف يعيش فيها غير أصحاب تلك الأحداث، لأن الحكم حينئذ لن يستند إلى مبررات موضوعية، وبالتالي تكون نظرة الحاكم إلى هذه الوقائع لم تستكمل وسائل الحكم الصحيح، فيصدر الحكم غير مطابق للواقع (٣).

ولو تأملنا حادثة مقتل عثمان - رضي الله عنه - لوجدنا أن قتل الخليفة لم يكن هو الغاية التي يقصدها من خطط لهذا الحصار، وإلا لو كان كذلك لهان الأمر، وسكنت الفتنة، واستبدل خليفة بخليفة وعادت الأمور إلى نصابها، ولكن بعض رواد الفتنة كانت لهم غاية أبعد أثرًا وأعمق غورًا من قتل الخليفة واستبدال آخر به، إن غايتهم هي هدم حقيقة الإسلام والنيل من عقيدته وتشويه مبادئه في شخص الخليفة المقتول، وإثارة الأحقاد والخلافات بين المسلمين (٤).


(١) رواه البخاري، كتاب المغازي: ٣٩٨٣
(٢) السابق، وعند الترمذي عن جابر - رضي الله عنه - أن عبدًا لحاطب جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكو حاطبًا، فقال: «يا رسول الله، ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كذبت، لا يدخلها، فإنه قد شهد بدرًا والحديبية». [الترمذي، كتاب المناقب: ٣٨٦٤ وصححه الألباني].
(٣) د. محمد أمحزون: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، ص (٢٣ - ٤) بتصرف.
(٤) السابق، ص (٣٥١) بتصرف.

<<  <   >  >>