للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب» اهـ (١).

والطائفة الثانية: وهم علي - رضي الله عنه - وشيعته، فكانوا يرون تأخير تتبع قتلة عثمان بعد حسم أمر الخلافة والتملك من زمام الأمور، حيث إن قتلة عثمان لهم قبائل تدافع عنهم، والأمن غير مستتب، ومازالت الفتنة قائمة (٢).

يروي لنا الطبري رحمه الله (٣): «اجتمع الناس إلى عليٍّ بعد ما دخل بيته طلحة والزبير في عدة من الصحابة فقالوا: يا علي! إنا قد اشترطنا إقامة الحدود، وإن هؤلاء القوم [إشارة إلى السبئية وأنصارهم من الأعراب والعبيد] قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلُّوا بأنفسهم، فقال علي: يا إخوتاه! إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم! ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاءوا، فهل ترون موضعًا لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا: لا. قال: فلا والله لا أرى إلا رأيًا ترونه إن شاء الله. إن هذا الأمر أمر جاهلية، وإن لهؤلاء القوم مادة، وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبدا. إن الناس من هذا الأمر [أي من القصاص من قتلة عثمان] إن حرك على أمور: فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا هذا، حتى يهدأ الناس، وتقع القلوب مواقعها، وتؤخذ الحقوق فاهدءوا عني ماذا يأتيكم ثم عودوا».

فلا ريب أن عليًا - رضي الله عنه - كان ينتظر حتى يستتب له الأمر، ثم ينظر في شأن قتلة عثمان، فحين طالب الزبير وطلحة ومن معهم بإقامة حد القصاص عليهم اعتذر لهم بأنهم كثير، وأنهم قوة لا يستهان بها، وطلب منهم أن يصبروا حتى تستقر الأوضاع وتهدأ الأمور، فتؤخذ الحقوق.

ومعلوم قطعًا أن عليًا - رضي الله عنه - كان في موقفه أسَدَّ رأيًا وأصوب قيلًا، لأنه لو أسرع إلى


(١) السابق (٤/ ٤٦١).
(٢) ولذلك لما وصلت الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، لم يقتل كل قتلة عثمان أيضًا، لماذا؟ لأنه صار يرى ما كان يراه علي - رضي الله عنه -. وقُتِلَ آخرهم في زمان الحجاج في خلافة عبد الملك بن مروان. [انظر، ابن العربي: العواصم من القواصم، ص (١٦٨)].
(٣) تاريخ الطبري (٤/ ٤٣٧).

<<  <   >  >>