للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بغيًا وظلمًا أو عدوانًا يخرج عموم الناس عن الإيمان، ولا يوجب لعنتهم، فكيف يخرج ذلك من كان من خير القرون؟!»، ثم قال رحمه الله: «وحديث: إذا اقتتل خليفتان فأحدهما ملعون، كذب مفترى، لم يروه أحد من أهل علم الحديث، ولا هو في شيء من دواوين الإسلام المعتمدة».

- أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» (١)، ففيه قال الإمام النووي (٢): «اعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة - رضي الله عنهم - ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية، ولا محض دنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق، ومخالفه يأثم، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله، وكان بعضهم مصيبًا وبعضهم مخطئًا معذورًا في الخطأ، لأنه اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه. وعلي - رضي الله عنه - هو المحق المصيب في تلك الحروب، هذا مذهب أهل السنة، وكانت القضايا مشتبهة حتى إن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين، ولم يقاتلوا، ولم يتيقنوا الصواب، ثم تأخروا في مساعدته منهم». وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» (٣)، فالمراد به الكفر الأصغر غير المخرج من الملة (٤)،

قال النووي رحمه الله (٥): «وأما قتاله بغير حق فلا يكفر به


(١) رواه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة: ٢٨٨٨
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (١٨/ ١١).
(٣) رواه مسلم، كتاب الإيمان: ٦٤
(٤) فائدة: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «الكفر أصل ذو شُعَب، فكما أن شعب الإيمان إيمان، فشعب الكفر كفر، والحياء شعبة من الإيمان، وقلة الحياء شعبة من الكفر، والصدق شعبة من الإيمان، والكذب شعبة من الكفر ...» وكذا إلى أن قال رحمه الله: «والمعاصي كلها شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان» اهـ[ابن قيم الجوزية: الصلاة وحكم تاركها، ص (٣٦)]، وإذا تقرر ما سبق، فلا يلزم من قيام شعبة من شعب الكفر بالعبد أن يصير كافرًا الكفر المطلق، حتى تقوم به حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمنًا، حتى يقوم به أصل الإيمان. [انظر، د .. محمد يسري إبراهيم: الإحكام في قواعد الحكم على الأنام، ص (٣٤، ٤٠ - ١)].
(٥) شرح النووي على صحيح مسلم (٢/ ٥٤) باختصار.

<<  <   >  >>