للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأحد الطرفين قالوا: إنه كان منافقًا خالصًا، وإنه سعى في قتل سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تشفيًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانتقامًا منه، وأخذًا بثأر جده عتبة، وأخي جده شيبة، وخاله الوليد بن عتبة، وغيرهم ممن قتلهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد علي بن أبي طالب وغيره يوم بدر وغيرها، وقالوا: تلك أحقاد بدرية، وآثار جاهلية، وأشياء من هذا النمط. والطرف الثاني: يظنون أنه كان رجلًا صالحًا وإمامَ عدلٍ، وأنه كان من الصحابة الذين ولدوا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ... وكلا القولين ظاهر البطلان عند من له أدنى عقل وعلم بالأمور وسير المتقدمين.

والقول الثالث: أنه كان ملكًا من ملوك المسلمين، له حسنات وسيئات، ولم يولد إلا في خلافة عثمان، ولم يكن كافرًا، ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين، وفعل ما فعل بأهل الحرَّة، ولم يكن صاحبًا ولا من أولياء الله الصالحين، وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة.

ثم افترقوا ثلاث فرق: فرقة لعنته، وفرقة أحبته، وفرقة لا تسبه ولا تحبه، وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد، وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميع المسلمين. قال صالح بن أحمد: قلت لأبي: إن قومًا يقولون: إنهم يحبون يزيد، فقال: يا بني، وهل يحب يزيدَ أحدٌ يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت، فلماذا لا تلعنه؟ فقال: يا بني، ومتى رأيت أباك يلعن أحدًا؟!».

ولما سُئِلَ شيخ الإسلام «ما تقولون في يزيد؟ قال: لا نسبه ولا نحبه، فإنه لم يكن رجلًا صالحًا فنحبه، ونحن لا نسب أحدًا من المسلمين بعينه. ولما قيل له: أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالمًا؟ أما قتل الحسين؟ فقال: نحن إذا ذُكِرَ الظالمون - كالحجاج بن يوسف وأمثاله - نقول كما قال الله في القرآن: {أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (١)، ولا نحب أن نلعن أحدًا بعينه، وقد لعنه قوم من العلماء، وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن» اهـ (٢).


(١) هود: ١٨
(٢) ابن تيمية: مجموع الفتاوى (٤/ ٤٨٧) باختصار.

<<  <   >  >>