للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يعلق رحمه الله بقوله (١): «وهذا المقام للشيعة فيه غرام وأي غرام، إذ فيه الأخذ بثأر الحسين وأهله من قتلتهم والانتقام منهم، ولا شك أن قتل قتلته كان متحتمًا، والمبادرة إليه كانت مغنمًا، ولكن إنما قدَّره الله على يد المختار الكذاب الذي صار بدعواه إتيان الوحي إليه كافرًا، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " (٢)، وقال تعالى في كتابه الذي هو أفضل ما يكتبه الكاتبون: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (٣)، وقال بعض الشعراء:

ما من يد إلا يد الله فوقها ... ولا ظالم إلا سيُبلى بظالم

وسيأتي في ترجمة المختار ما يدل على كذبه وافترائه، وادعائه نصرة أهل البيت، وهو في نفس الأمر متستر بذلك ليجمع عليه رعاعًا من الشيعة الذين بالكوفة، ليقيم لهم دولة ويصول بهم ويجول على مخالفيه صولة».

ويترجم ابن كثير للمختار الثقفي فيقول (٤): هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عميرة بن عوف بن عفرة بن عميرة بن عوف بن ثقيف الثقفي، أسلم أبوه في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره، فلهذا لم يذكره أكثر الناس في الصحابة، وإنما ذكره ابن الأثير في الغابة (٥).

وقد كان عمر - رضي الله عنه - بعثه في جيش كثيف في قتال الفرس سنة ثلاث عشرة، فقتل يومئذ شهيدًا وقتل معه نحو من أربعة آلاف من المسلمين. وكان له من الولد صفية بنت أبي عبيد، وكانت من الصالحات العابدات. وهي زوجة عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وكان عبد الله لها مكرمًا ومحبًا وماتت في حياته. وأما أخوها المختار هذا فإنه كان أولًا ناصبيًا (٦) يبغض عليًا بغضًا شديدًا، فما زالت الشيعة تبغضه حتى كان من أمر مسلم بن عقيل بن أبي طالب ما كان.


(١) ابن كثير: البداية والنهاية (٨/ ٢٧٤).
(٢) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير: ٣٠٦٢
(٣) الأنعام: ١٢٩
(٤) ابن كثير: البداية والنهاية (٨/ ٢٨٩ - ٩١) باختصار.
(٥) انظر، ابن الأثير: أسد الغابة (٥/ ٢٠٧).
(٦) النصب لغة: إقامة الشيء ورفعُهُ، ومنه ناصب ناصِبة الشر والحرب. والنواصب هم المتدينون ببغض علي - رضي الله عنه -، لأنهم نصبوا له، أي عادوه، وهذا أصل التسمية، فكل من أبغض آل البيت فهو من النواصب.

<<  <   >  >>