للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان يظهر المدح لابن الزبير في العلانية ويسبه في السر، ويمدح محمد بن الحنفية ويدعو إليه، وما زال حتى استحوذ على الكوفة بطريق التشيع وإظهار الأخذ بثأر الحسين، وبسبب ذلك التفَّت عليه جماعات كثيرة من الشيعة، وأخرج ابن المطيع عامل ابن الزبير منها، واستقر ملك المختار بها، ثم كتب إلى ابن الزبير يعتذر إليه ويخبره أن ابن مطيع كان مداهنًا لبني أمية، وقد خرج من الكوفة وأنا ومن بها في طاعتك، فصدقه ابن الزبير لأنه كان يدعو إليه على المنبر يوم الجمعة على رءوس الناس ويظهر طاعته. ثم شرع في تتبع قتلة الحسين ومن شهد الوقعة بكربلاء من ناحية ابن زياد، فقتل منهم خلقًا كثيرا، وظفر برءوس كبار منهم كعمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الجيش الذين قتلوا الحسين، وشمر بن ذي الجوشن أمير الألف الذين ولوا قتل الحسين، وسنان بن أبي أنس، وخولي بن يزيد الأصبحي وخلق غير هؤلاء، وما زال حتى بعث سيف نقمته إبراهيم بن الأشتر في عشرين ألفًا إلى ابن زياد وكسر جيشه، واحتاز ما في معسكره، ثم بعث برأس ابن زياد ورءوس أصحابه مع البشارة إلى المختار، ففرح بذلك فرحًا شديدًا، وطابت نفس المختار بالملك، وظن أنه لم يبق له عدو ولا منازع، فلما تبين ابن الزبير خداعه ومكره وسوء مذهبه، بعث أخاه مصعبًا أميرًا على العراق، فسار إلى البصرة فجمع العساكر فما تم سرور المختار حتى سار إليه مصعب بن الزبير من البصرة في جيش هائل فقتله واحتز رأسه.

ثم زالت دولة المختار كأن لم تكن، وفرح المسلمون بزوالها، وذلك لأن الرجل لم يكن في نفسه صادقًا، بل كان كاذبًا يزعم أن الوحي يأتيه على يد جبريل. قال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير حدثنا عيسى القارئ أبو عمير بن السدي عن رفاعة القبابي قال: دخلت على المختار فألقى لي وسادة وقال: لولا أن أخي جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، قال: فأردت أن أضرب عنقه، قال: فذكرت حديثًا حدثنيه أخي عمر بن الحمق، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيما مؤمن أمن مؤمنًا على دمه فقتله فأنا من القاتل بريء» (١)، وقد قيل لابن عمر: إن المختار يزعم أن الوحي يأتيه، فقال: صدق، قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ} (٢).


(١) رواه أحمد في مسنده (٥/ ٢٢٤) من حديث عمرو بن الحمق الخزاعي - رضي الله عنه -.
(٢) الأنعام: ١٢١

<<  <   >  >>