للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجلسون أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعبد، حتى إذا هلك أولئك وتَنَسَّخ العلم عُبِدَت» (١).

فهذا تمامًا ما فعله الفريق الخادع من السبئية شياطين الإنس مع الفريق المخدوع؛ فلقد أخفوا على العوام أغراضهم الخبيثة، ونفخوا فيهم سمومهم، واتبعوا معهم سياسة النفس الطويل، حتى صار التشيع جيلًا بعد جيل وكأنه تنزيل من رب العالمين!!

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله» (٢)، ولقد ذكرنا ما كانت عليه شيعة علي - رضي الله عنه - بعد عام الجماعة من انقسام؛ فقلنا: إن منهم من ترك التشيع وبايع معاوية، ومنهم من ركب جواد الطبع فقال بإمامة الحسين بعد الحسن، أو مال عنهما وقال بإمامة محمد بن الحنفية. ولو كان هؤلاء وآباؤهم من أهل الاعتصام بالكتاب لما طعنوا في حق أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - (٣)، ولما وجدتهم بعد وفاة كل إمام من أئمتهم المختارين يتصارعون حول من يخلفه، فانقسموا بذلك إلى فرق شتى، انقسامًا أشبه ما يكون بالانشطار الذرِّي! بل وصارت كل فرقة تنكر على الأخرى، بل وتُكَفِّرها. ولذلك اختلف العلماء في حصر عدد فرق الشيعة، فلا يوجد قول فصل في عددهم.

يقول شاه عبد العزيز الدهلوي (٤): «اعلم أن القدر المشترك في جميع فرق الشيعة


(١) البخاري، كتاب تفسير القرآن: ٤٩٢٠
(٢) رواه مسلم، كتاب الحج: ١٢١٨
(٣) روى البخاري في صحيحه عن محمد بن الحنفية قوله: «قلت لأبي [أي عليّ]: أي الناس خير بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين» [البخاري، كتاب فضائل الصحابة: ٣٦٧١]. يقول الشيخ العثيمين - رحمه الله - في شرح الواسطية: «صار في تقديم عثمان على علي رضي الله عنهما آثار نقلية، وفيه أيضًا دليل عقلي، وهو إجماع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة، فإن إجماعهم على ذلك يستلزم أن عثمان أفضل من علي وهو كذلك، لأن حكمة الله - عز وجل - تأبى أن يولى على خير القرون رجلًا وفيه من هو أفضل منه، كما جاء في الأثر: "كما تكونون يولَّى عليكم"، فخير القرون لا يولي الله عليهم إلا من خيرهم» اهـ[شرح العقيدة الواسطية، لابن عثيمين، ص (٣٤٥)].
(٤) محمود شكري الألوسي: مختصر التحفة الاثني عشرية، ص (٢٠٩).

<<  <   >  >>