للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: لا، ما أفعل جعلت فداك، فقال لي: أترغب بنفسك عني؟ قلت له: إنما هي نفس واحدة، فإن كان لله في الأرض حجة فالمتخلف عنك ناج والخارج معك هالك، وإن لا تكن لله حجة في الأرض فالمتخلف عنك والخارج معك سواء. فقال لي: يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البضعة السمينة ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد شفقة علي، ولم يشفق علي من حر النار، إذا أخبرك بالدين (١) ولم يخبرني به؟؟! فقلت له: جعلت فداك، شفقته عليك من حر النار لم يخبرك، خاف عليك: أن لا تقبله فتدخل النار، وأخبرني أنا، فإن قبلت نجوت، وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار، ثم قلت له: جعلت فداك، أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال: بل الأنبياء، قلت: يقول يعقوب ليوسف: {يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (٢)، لم يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمهم ذلك، فكذا أبوك كتمك لأنه خاف عليك» (٣).

يقول محب الدين الخطيب (٤): «وهكذا اخترع شيطان الطاق أكذوبة الإمامة التي صارت من أصول الديانة عند الشيعة، واتهم الإمام عليًا زين العابدين بن الحسين بأنه كتم أساس الدين حتى عن ابنه الذي هو من صفوة آل محمد، كما اتهم ابنه الإمام زيدًا بأنه لم يبلغ درجة أخس الروافض في قابليته للإيمان بإمامة أبيه. ولو أن غير الكَشِّي من صناديد الشيعة روى هذا الخبر لشككنا في صحته، ولكن الشيعة هم الذين يروونه، ويعلنون فيه أن شيطان الطاق يزعم بوقاحته أنه يعرف عن والد الإمام زيد ما لا يعرفه الإمام زيد من والده مما يتعلق بأصل من أصول الدين عندهم. وليس هذا بكثير على شيطان الطاق الذي روى عنه الجاحظ [١٥٩ - ٢٥٥هـ] أنه قال في كتابه عن الإمامة أن الله لم يقل: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} (٥)» اهـ.

ولقد شارك شيطان الطاق رجل آخر هو هشام بن الحكم [ت. ١٧٩هـ]، حتى يقول


(١) أي بأمر الإمامة.
(٢) يوسف: ٥
(٣) الكليني: الأصول من الكافي (١/ ١٧٤).
(٤) انظر: مختصر التحفة الاثني عشرية، ص (٢١٧) الهامش.
(٥) التوبة: ٤٠، انظر: الفِصَل، لابن حزم (٤/ ١٣٩)، وسيأتي نص كلامه في موضع لاحق.

<<  <   >  >>