للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عباس - رضي الله عنه -: "ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان"، فليس من التقية المرخص بها أن تقوم المودة بين المؤمن وبين الكافر، كما أنه ليس من التقية المرخص بها أن يعاون المؤمن الكافر بالعمل في صورة من الصور باسم التقية، فما يجوز هذا الخداع على الله!» اهـ.

[متى تكون التقية؟]

قال تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإلى اللهِ الْمَصِيرُ} (١)، قال البغوي في تفسيره (٢): «الله تعالى نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين أو يكون المؤمن في قوم كفار يخافهم فيداريهم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان دفعًا عن نفسه من غير أن يستحل دمًا حرامًا أو مالًا حرامًا، أو يظهر الكفار على عورة المسلمين. والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل وسلامة النية قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (٣)، ثم هذه رخصة، فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم».

وقال ابن القيم (٤): «معلوم أن التقاة ليست بموالاة، ولكن لما نهاهم عن موالاة الكفار اقتضى ذلك معاداتهم والبراءة منهم، ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال إلا إذا خافوا من شرهم فأباح لهم التقية وليست التقية موالاة لهم».

ويقول محمد قطب (٥): «ولأن باب التقاة باب يمكن أن ينفذ منه الشيطان بسهولة يزين للضعفاء ومرضى القلوب أن يركنوا إلى أعداء الله قال بعدها مباشرة: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإلى اللهِ الْمَصِيرُ}، يحذركم في الدنيا أن تتخذوا هذا الباب تكأة، وتستهلوا هذه الكبيرة - وهي موالاة أعداء الله - وينذركم أن إليه المصير فيجازيكم على ما فعلتم في الدنيا، فلا تحسبوا أن ترتكبوا هذه الكبيرة في الأرض - مخادعين أنفسكم أو مخادعين


(١) آل عمران: ٢٨
(٢) تفسير البغوي (معالم التنزيل) (٢/ ٢٦).
(٣) النحل: ١٠٦
(٤) ابن قيم الجوزية: بدائع الفوائد (٣/ ٥٧٥).
(٥) محمد قطب: دراسات قرآنية، ص (٣٣٩).

<<  <   >  >>