للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصحيفة، ثم قال: «والجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدة وكان جميع ذلك مكتوبًا فيها، فنقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه والله أعلم. وقد بين ذلك قتادة في روايته لهذا الحديث عن أبي حسان عن علي، وبين أيضًا السبب في سؤالهم لعلي - رضي الله عنه - عن ذلك، أخرجه أحمد والبهيقي في الدلائل من طريق أبي حسان أن عليًا كان يأمر بالأمر فيقال: قد فعلناه، فيقول: صدق الله ورسوله، فقال له الأشتر: هذا الذي تقول، أهو شيء عهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة دون الناس؟ فذكره بطوله» اهـ.

إذن، فإن نواة هذه المقالة ظهرت في عصر متقدم، أما من تولى كبرها فإن في رسالة (الإرجاء) للحسن بن محمد بن الحنفية (ت. ٨١هـ) ما يشير إلى أن السبئيين قد بدءوا في إشاعة مثل هذه المقالات حيث قالوا: «هدينا بوحي ضل عنه الناس وعلم خفي، ويزعمون أن نبي الله كتم تسعة أعشار القرآن» (١).

وفي كتاب (أحوال الرجال) للجوزجاني (ت. ٢٥٩هـ) أن عبد الله بن سبأ «زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي» (٢).

فهذه أصل الدعوى؛ وهي إشارة السبئيين إلى علم مخزون عند علي، وقد تطورت بعد ذلك واتخذت صورًا وأشكالًا متعددة، إلى أن أدت بهم إلى القول بوقوع تحريف في كتاب الله - عز وجل - قام به الصحابة لطمس ما يحتويه من فضائح وهتك للمهاجرين والأنصار، ورووا في ذلك روايات، من أشهرها ما يرويه كذبًا أحمد بن علي الطبرسي (ت. ٦٢٠هـ) صاحب (الاحتجاج)، عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - أنه قال: «لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله جمع علي - عليه السلام - القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه - عليه السلام - وانصرف، ثم أحضروا زيد بن ثابت - وكان قارئًا للقرآن - فقال له عمر: إن عليًا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان


(١) رسالة الإرجاء، ضمن كتاب (الإيمان)، لمحمد بن يحيى العدني (١٥٠ - ٢٤٣هـ) (١/ ١٤٨).
(٢) أبي إسحاق الجوزجاني: أحول الرجال، ص (٣٨).

<<  <   >  >>