للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد سقط منه خمسمائة حرف ...»، ثم ذكر ابن الأنباري أن هذا الزنديق أخذ يقرأ آيات من القرآن على غير وجهها زندقة وإلحادًا فكان يقرأ: (والعصر ونوائب الدهر)، و (ولقد نصركم الله ببدر بسيف علي وأنتم أذلة) ... إلخ.

وكأن ابن الأنباري كان يشير إلى شخص بعينه، إلا أنه لم يذكره باسمه، ولكن بدت هويته المذهبية من خلال افتراءاته.

بينما نجد الملطي يشير إلى أن هذا الشخص صاحب هذه الفرية هو هشام بن الحكم، القائل بأن «الأمة بأسرها من الطبقة الأولى بايعوا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فكفروا وارتدوا وزاغوا عن الدين، وأن القرآن نُسِخَ وصعد به إلى السماء لردتهم، وأن السنَّة لا تثبت بنقلهم إذ هم كفار، وأن القرآن الذي في أيدي الناس قد انتقل ووضع أيام عثمان، وأحرق المصاحف التي كانت قبل» اهـ (١).

«ولكن هشام بن الحكم توفي سنة ١٩٠هـ، وهذا يعني أن هذا الافتراء أقدم مما يذكره ابن الأنباري، وإذا لاحظنا أن هذه الفرية مرتبطة أشد الارتباط بمسألة الإمامة والأئمة عند الشيعة، وذلك حينما بدأ شيوخ الشيعة في الاستدلال عليها فلم يجدوا في كتاب الله ما يثبت مزاعمهم في ذلك فأدى بهم هذا إلى القول بهذه الفرية وغيرها .. إذا أدركنا ذلك فإنه لا يبعد أن يكون ما يقوله الملطي في أن هشامًا هو الذي تولى كبر هذا الافتراء .. لا يبعد أن يكون هذا واقعًا لا سيما أن هشامًا كان من أول من تكلم في الإمامة حتى قال ابن النديم إن هشام بن الحكم «ممن فتق الكلام في الإمامة ... وله من الكتب كتاب الإمامة» (٢).

فتشير القرائن - كما ترى - إلى هشام وشيعته، فهذا يدل على أقل الافتراضات أن هذه الفرية وجدت في عصر هشام، ومما يدل على وجود هذه الدعوى في تلك الفترة ما ذكره ابن حزم عن الجاحظ قال (٣): «أخبرني أبو إسحاق إبراهيم النظام وبشر بن خالد أنهما قالا لمحمد بن جعفر الرافضي المعروف بشيطان الطاق: ويحك، أما


(١) محمد بن أحمد الملطي: التنبيه والرد، ص (٢٢).
(٢) ابن النديم: الفهرست، ص (٢٢٣ - ٤).
(٣) ابن حزم: الفِصَل (٤/ ١٣٩).

<<  <   >  >>