للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يطلب من الله تبارك وتعالى أن يرزقه وارثًا، بل الأصل في أنبياء الله - عز وجل - أنهم لا يبقون المال، بل يتصدقون به في وجوه الخير.

ثالثًا: وهو ما يدل عليه سياق الآية، وهو قول الله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}، كم شخص في آل يعقوب؟ وأين يحيى - عليه السلام - من آل يعقوب؟ آل يعقوب هم كل بنيه - عليه السلام - (بني إسرائيل)، إذن فكيف يكون نصيب يحيى - عليه السلام -؟ ثم إن يحيى - عليه السلام - محجوب بالفرع الوارث!

فلا شك أن قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} يَرُدّ على قول من يقول: إنه أراد وراثة المال بل ذكر يعقوب لأن يعقوب نبي وزكريا نبي، فأراد أن يرث النبوة والعلم والحكمة، وقد تقدم الحديث: «إن الأنبياء لم يورِّثوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورثوا العلم».

ثم بعد ذلك نقول: إن أهل السنة في هذه المسألة لا يبحثون عن عذر لأبي بكر - رضي الله عنه -، وذلك لأنه يستدل بحديث متواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ففاطمة رضي الله عنها لما ما قبلت منه هذا الكلام حاول أهل السنة أن يبحثوا عن عذر لفاطمة لا لأبي بكر، لأنهم لا يرون أن أبا بكر قد أخطأ في حق فاطمة. والمشهور أن أبا بكر ترضَّاها حتى رضيت، قال ابن حجر رحمه الله (١): «روى البيهقي [٣٨٤ - ٤٥٨هـ] من طريق الشعبي أن أبا بكر عاد فاطمة فقال لها علي: هذا أبو بكر يستأذن عليك، قالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها، فترضاها حتى رضيت. وهو وإن كان مرسلًا فإسناده إلى الشعبي صحيح وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر، وقد قال بعض الأئمة إنما كانت هجرتها انقباضًا عن لقائه والاجتماع به وليس ذلك من الهجران المحرم، لأن شرطه أن يلتقيا فيعرض هذا وهذا، وكأن فاطمة عليها السلام لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها، وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله: لا نورث، ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع


(١) ابن حجر: فتح الباري (٦/ ٢٠٢).

<<  <   >  >>