للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السياسة الرأسمالية في الاقتصاد، ويشكل هذان معًا وجهتين لنظام واحد، والتاريخ له نهاية ليس كسلسلة من الأحداث، إذ إن وقوع الأحداث بالطبع سيستمر في التاريخ، وإنما التاريخ له "صيرورة واحدة مستمرة تنتقل من مرحلة إلى مرحلة أعلى، إلى أن تصل غايتها ونهايتها". ونهاية التاريخ هي النظام الليبرالي الديمقراطي الرأسمالي» (١).

وكما أن للتاريخ خاتمة أو نهاية، فإن الإنسان الذي يعيش في هذه المرحلة النهائية يعد بمثابة (خاتم البشر)، وخاتم البشر - في نظر فوكوياما - هو ذلك الرجل الذي يصفه فريدريك نيتشه Friedrich Nietzsche (١٨٤٤ - ١٩٠٠ م) بـ «العبد الظافر» (٢)، أي الإنسان المنتصر، الذي ينعم بالحياة في ظل الديمقراطية الليبرالية.

وإلى أن تنتشر هذه الصورة النهائية للتاريخ، فإن العالم في نظر فوكوياما سوف ينقسم في المستقبل المرئي إلى «شطر قد تخطى التاريخ، وشطر لا يزال غارقًا في التاريخ» (٣).

يقول فوكوياما في خاتمة كتابه (٤): «لن تكون البشرية عندئذ ألف زهرة تتفتح في صور وأشكال متباينة، وإنما ستكون بمثابة قافلة طويلة من عربات متشابهة. قد يتجه بعض هذه العربات صوب المدينة في حركة حادة مفاجئة، وقد يعود بعضها إلى الصحراء، وقد تتعطل عجلات بعضها أثناء صعودها الجبل. وقد يهاجم الهنود الحمر عدة عربات فيشعلون فيها النار ويهجرها ركابها في الطريق. وقد تُذهِل المعركة عددًا من الركاب، فيفقدوا كل إحساس بوجهتهم، ويتجهوا - مؤقتًا - في الطريق الخطأ. وقد تتعب عربة أو عربتان من الرحلة فيقرر ركابها الإقامة الدائمة في معسكرات في نقط معينة من الطريق. وقد يجد آخرون طرقًا بديلة إلى الطريق الرئيس، رغم أنهم سيكتشفون أنهم من أجل اجتياز السلسلة الأخيرة من الجبال عليهم أن يستخدموا نفس النفق الذي سيستخدمه غيرهم. غير أن الغالبية العظمى من العربات ستمضي في رحلتها البطيئة إلى المدينة،


(١) د. ناظم الجاسور: تأثير الخلافات الأمريكية-الأوروپية على قضايا الأمة العربية، ص (٣٦) باختصار وتصرف يسير.
(٢) انظر، فرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ وخاتم البشر، ص (٢٦٣).
(٣) السابق، ص (٢٤٢).
(٤) السابق، ص (٢٩٣ - ٤).

<<  <   >  >>