للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاليهودي لا يستطيع الاندماج في مجتمع أوروبي، إلا ووجوده مغلف بالغموض واللغة والأسطورة، والمسيحي الذي يراه مصادفة يمارس غريزيا إشارة الصليب التي تبعد الروح الشريرة.

فاليهودي يعرف بأنه محاط بالكراهية الصامتة والغريزية، سواء كانت الكراهية من الشعب أو من الأمير، لذا فهو يوظف حياته ونشاطه لمصلحة الجيتو الذي ينتمي إليه والذي يجد عنده الأمان والخصوصية.

لكن إذا كانت (لاسيتي) في البداية هي الجيتو كنموذج فقد أصبحت شيئا فشيئا في قلب لندن، وعقل أمة، ومرجع الإمبراطورية بما يضاهي باكنغهام ويزيد، وقد أسس أول تنظيم لمستقبل الإمبراطورية عبر بنك بريطانيا.

ولأن الشعب استيقظ مزاجه مع النهضة في جمالية الحضارة، كما تطور ذوق الأمير منذ الحملة الصليبية نحو الفخامة في الأشياء والجواهر، فقد انتهى الجميع زبائن الجيتو، وقد توفر لديه كل ما يرضي الذوق والروح، وهكذا استعاد اليهودي عبر علاقاته التجارية ما يفك عزلته شيئا فشيئا، وانطلق يندمج في الحياة الوطنية.

كان على اليهودي أولا، وقد عرف طبيعة الأوروبي في العمل كرجل جيد وسريع التأثر وقلبه يفيض شفقة، أن يبدأ ليحقق أول ثورة في أوروبا

على التقاليد.

فأمام شعوره بما غلف وجوده من نظرة ريبة واحتقار في عيني المسيحي، بدأ يطرح في إحساس الأوروبي أسطورة اليهودي الهائم على وجهه، بدلا من صورة يهودي جشع ووثني كافر دنيء وقاس تبعث على

الاشمئزاز. وهكذا انتقل إلى صورة عاطفية تستثير الشفقة والخير تجاه اليهودي الذي يهيم على وجهه جزاء خطاياه لغير مستقر. كانت هذه أسطورة اليهودي في الشتات في غابر الزمان، ولدت عبر

<<  <   >  >>