للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في القتل الخطأ على عاقلة الجاني. . وغير ذلك)، ويلغي كثيرًا من الأعراف السائدة لفساده، "كالتبني والربا وشرب الخمر وحرمان الصغير والنساء من الميراث. . وغير ذلك". ثم إنه يمكن القول إضافة إلى ما سبق: إن أكثر ما أقره الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأعراف، لم يكن يقره على حاله، وإنما عدله وشذب منه وأضاف إليه وحدد له الحدود الشرعية، فوضع -على سبيل المثال- للمضاربة شروطًا، وللوصية حدودًا، وللطلاق وتعدد الزوجات قيودًا وضوابط) (١).

وعلى هذا فإن مقولة (كولسون) -آنفة الذكر- لكي تتفق مع حقائق الأمور ينبغي أن تعكس لتصير: والذي أبقاه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- من العرف السائد عند العرب قبل الإسلام لم يبقه على عواهنه، وإنما عدل فيه وغير حتى أعاده لما كان عليه من الحق والفطرة السليمة؛ لأن العرب كانوا (في أول أمرهم على دين إسماعيل [عليه السلام]، المبني على التوحيد والتقوى، المشتمل على شريعة قائمة على أساس العدل والإنصاف، وهم لم يتحولوا إلى الشرك إلا بعد طول العهد وتقادم الزمن، ولم يبتعدوا عن أحكام تلك الشريعة إلا بعد توالي الحقب وتصرم الأزمان، وابتعادهم هذا لا يعني أنهم ضيعوا كل أحكام شريعة سيدنا إسماعيل [عليه السلام]، وفقدوا كل جزئياتها وقواعدها؛ لذلك من المعقول جدًا أن ما أقره الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأعراف هو من بقايا شريعة إسماعيل [عليه السلام]، التي توارثها العرب، ويكون هذا الإلهام نتيجة إلهام اللَّه له بأن مثل هذه الأحكام هو من أحكام شريعته كما كان من أحكام شريعة إسماعيل [عليه السلام]، إذ من المعلوم أن بعض أحكام الشرائع السماوية تتفق كل الاتفاق فيما بينها؛ لأنها من الأحكام التي لها طابع الدوام والثبات والصلاح لكل وقت وزمان) (٢).


(١) الدسوقي عيد: استقلال الفقه الإسلامي. . .: ص ٤٦، ٤٧، (مرجع سابق).
(٢) نظام الدين عبد الحميد: مفهوم الفقه الإسلامي (تطوره، وأصالته، ومصادره العقلية =

<<  <  ج: ص:  >  >>