للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليل مريع، أحاط أبناء القبائل المسلحون طيلة ساعاته بدار الرسول ينتظرون اللحظة التي سيطيحون فيها برأسه ويفرقون دمه بين القبائل.

قال ابن إسحاق: (فلمَّا كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام، فيثبون عليه، فلمَّا رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكانهم، قال لعلي بن أبي طالب: "نمْ على فراشي، وتسجَّ ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم. . . "، وخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخذ حفنة من تراب في يده، وأخذ اللَّه على أبصارهم عنه فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم. . .) (١).

الثانية: اختيار أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-: ليكون رفيق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأخاه في هجرته، وما صاحب ذلك من مشاعر الحب والفداء والتضحية (٢) والثقة في نصر اللَّه ووعد الحق، ولئن كان المجال لا يتسع لذكر تفاصيل ذلك؛ فإنَّ من المواقف الخالدة ما سجله القرآن الكريم حكاية عن أبي بكر إذ هو مع


(١) ابن هشام: السيرة النبوية: (٢/ ١٢٤)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، مرجع سابق، وانظر: عماد الدين خليل: دراسات في السيرة: ص: (١٣٧)، الطبعة السادسة: (١٤٠٢ هـ - ١٩٨٢ م)، عن مؤسسة الرسالة - بيروت.
(٢) كان لأبي بكر وأسرته مواقف كثيرة ذكرتها كتب السيرة إبان هجرة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-. انظر: ابن هشام: السيرة النبوية: (٣/ ١٢٧ - ١٢٩، ١٣٠)، ومما وردت من مفادات أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- للرسول كما رواه البيهقي عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: (لقد خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة انطلق إلى الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه، حتى فطن رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، فقال: "يا أبا بكر ما لك تمشي ساعة خلفي، وساعة بين يدي"؟ فقال: يا رسول اللَّه اذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد، فأمشي بين يديك. . .) الحديث، وفي نهايته قال عمر -رضي اللَّه عنه- وأرضاه: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر)؛ انظر: البداية والنهاية لابن كثير: (٣/ ١٨٠)، (مرجع سابق)، وانظر: محمد أبا زهرة (خاتم النبيين -صلى اللَّه عليه وسلم- القسم المكي: ص: (٦٢٣، ٦٢٤)، وما قبلهما وما بعدها من ص: (٦٠٨ - ٦٣٢)، مرجع سابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>