للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: ٢٧ - ٢٨] قال رحمه اللَّه: (أي: فإنَّه يخبره بما اقتضت حكمته أن يخبره به، وذلك لأن الرسل ليسوا كغيرهم، فإن اللَّه أيَّدَهُم بتأييد ما أيده أحدًا من الخلق، وحفظ ما أوحاه إليهم حتى يبلغوه على حقيقته من غير أن تقربه الشياطين فيزيدوا فيه أو ينقصوا، ولهذا قال: {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} أي: يحفظونه بأمر اللَّه هو {لِيَعْلَمَ} بذلك {أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} هو بما جعله لهم من الأسباب، {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} أي: بما عندهم، وما أسروه وما أعلنوه) (١).

٣ - ومن مظاهر عناية اللَّه بالقرآن الكريم وحفظه ما تَمَّ على يد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وأمته من حفظ القرآن في صدورهم وكتابته في الصحف، وقد بلغ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وأمته في ذلك أرقى مناهج التوثيق، ذلك أن القرآن الكريم (نزل على رسول اللَّه -صلوات اللَّه وسلامه عليه- منجمًا في ثلاث وعشرين سنة (٢)، حسب الحوادث ومقتضى الحال، وكانت السور تدون ساعة نزولها، إذ كان المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا ما نزلت عليه آية أو آيات قال: "ضعوها


(١) تيسير الكريم الرحمن. . . ٧/ ٤٩٦، (مرجع سابق).
(٢) انظر: الزرقاني: مناهل العرفان. . ص ٥١، (مرجع سابق). وانظر: مناع القطان: مباحث في علوم القرآن: ص ١٠٥، (مرجع سابق). وانظر: إبراهيم الأبياري: تأريخ القرآن: ص ٩٦، الطبعة الثانية ١٤٠٢ هـ - ١٩٨٢ م، عن دار الكتب الإسلاميَّة - القاهرة. وأخرجه البخاري في صحيحه ٤/ ١٩٠٥ الحديث رقم [٤٦٩٤]، ترتيب: مصطفى ديب البُغا، عن أبي سلمة قال: "أخبرتني عائشة وابن عباس رضي اللَّه عنهما قالا: لبث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشر سنين". وللعلماء في مدّة نزول القرآن عدّة آراء يُمكن التوفيق بينها على نحو أو آخر، فمن أنقص المدّة عن ثلاث وعشرين سنة كان سبب ذلك عدم احتساب المدّة التي كان ينقطع فيها الوحي عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-. انظر: الأبياري: المرجع السابق: ص ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>