للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ألمح الشاطبي في نهاية هذه المسألة إلى أن (التوسط يعرف بالشرع، وقد يعرف بالعوائد، وما يشهد به معظم العقلاء، كما في الإسراف والإقتار في النفقات) (١).

ولعل ما بينه الشاطبي عن وسطية الشريعة الإسلاميَّة يتضمن وصفًا بالغ الأهمية يضفي على الوسطيَّة في الإسلام نوعًا من المرونة، ومسايرة الأحداث بما يفي بحاجة تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة إلى الاستمرار والحركة الإيجابيَّة إزاء ما يجد في حياتها من قضايا ونظم (٢)، على أنَّ الإسلام قد حدَّد مسلك الوسط في جميع تشريعاته في العبادات وفي المعاملات وفي الحلال والحرام، وأمر الحق تبارك وتعالى الأُمَّة أن تلتزم بذلك المسلك ولا تتجاوز حدوده، قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٢٩]، وقد جاءت هذه الآية بعد أن بين اللَّه -عز وجل- أحكامًا كثيرة تناولت جوانب متنوعة على صعيد الأسرة، والنفقة، وبعض القضايا السياسيَّة والاجتماعية، والشعائر الدينية، وقال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللَّه -عز وجل- فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرَّم حرمات فلا تنتهكوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها" (٣).


(١) المرجع السابق نفسه: ٢/ ١٢٨.
(٢) لمزيد الاطلاع على وسطيَّة التشريعات الإسلاميَّة وأثرها على الأمَّة. . انظر:
• يوسف القرضاوي: الخصائص العامَّة للإسلام: ص ١٤٥ - ١٤٧، (مرجع سابق).
• محمد عقلة: الإسلام مقاصده وخصائصه: ص ٥٧ - ٦٢، (مرجع سابق).
• عبد الرحمن حبنكة: الالتزام الديني منهج وسط: ص ٦٥ - ٨٦، من سلسلة (دعوة الحق)، السنة [٤]، العدد [٣٤] محرم ١٤٠٥ هـ - أكتوبر ١٩٨٤ م، عن رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة.
• وانظر: ما تقدم في مطلب (الشريعة)، من هذا البحث نفسه: ص ٤١٠ - ٤٢٢.
(٣) أخرجه الدارقطني: سنن الدارقطني ٤/ ١٨٤، وبذيله التعليق المغني على الدارقطني، لأبي الطيب: محمد آبادي، الطبعة الرابعة ١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م، عن عالم الكتب - بيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>