للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمَّا تفرق أصحابه بعده في الأمصار جعلوها مراكز علميَّة وحلقات واسعة من الدرس والتلقي، فأبو الدرداء وعبادة بن الصامت ومعاذ بن جبل وآخرون في الشام، وابن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري في الكوفة، وأنس بن مالك وأبو موسى -من قبل- في البصرة، مع جلة من الصحابة الأبرار، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص وآخرون في مصر، وابن عباس ونفر آخرون في مكة المكرمة، وعبد اللَّه بن عمر وأبو هريرة والسيدة عائشة وآخرون كثيرون في المدينة، ولم تبق حاضرة من الحواضر الإسلاميَّة إلَّا وجعلها أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين ومن بعدهم قاعدة للمعرفة، ومنارة للعلم، وتواريخ المدن الإسلاميَّة -ولجميعها تاريخ - شاهد على ذلك، وقد اضطر علماء الإسلام إلى كتابة تواريخ هذه المدن وسبقها العلمي، ولم يكن هذا التاريخ ليدور إلَّا على العلم والعلماء، وما أبدعوه وصنعوه، فتأريخ دمشق، وبغداد، وأصبهان، وجرجان، ونيسابور، والموصل، والجزيرة، وحمص، والقاهرة. . . وغيرها هي بين أيدي الباحثين والدارسين، وقد أثر الصحابة والتابعون عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- التأكيد والتحضيض على تلقي طلاب العلم من الآفاق بالترحيب والسرور والرعاية، فقد أوصى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صحابته الكرام بقوله: "إنَّ الناس لكم تبع، وإنَّ رجالًا يأتونكم من أقطار الأرضين يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرًا" (١)، وعملوا بهذه الوصية، فكانوا إذا جاءهم طلاب العلم قالوا لهم: "مرحبًا بوصية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-") (٢).


(١) أخرجه الترمذي: الجامع الصحيح ٥/ ٣٥، كتاب العلم، باب [٤]، الحديث رقم [٢٦٥٠]، تحقيق: كمال يوسف الحوت، (مرجع سابق).
(٢) جزء من كلام راوي الحديث السابق: المرجع السابق نفسه، الحديث نفسه، وانظر: البغوي: شرح السنة ١/ ٢٢٩، ٢٣٠، تحقيق: علي محمد عوض وعادل أحمد =

<<  <  ج: ص:  >  >>