للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرسم في الأفق علامة استفهام واضحة ضخمة أمام الأقطار الإسلامية، ولا تستطيع أن تتقدم خطوة واحدة بدون أن تجيب عليها جوابًا حاسمًا.

أي موقف تتخذه هذه البلاد نحو هذه الحضارة؟

وأي منهج تسير عليه لتوفيق مجتمعها بالحياة العصرية وتحقيق مطالب العصر الحديث؟

وإلى أي مدى تثبت ذكاءها وشجاعتها الخلقية لمواجهة هذه المعضلة؟

إن وضع الجواب على هذا السؤال هو الذي يحدد مكانة هذه الشعوب في خريطة العالم ويعرف به مستقبل الإسلام في هذه البلاد".

هذه هي المشكلة التي واجهت العالم الإسلامي، ولكن هذه المشكلة لم تواجه الإسلام وحده، بل قد واجهت الأديان الأخرى، فقد واجهت اليهودية وواجهت المسيحية. هذا ما يقرره أيضًا أستاذ الأديان في جامعة كولومبيا جوزيف بلاو (Joseph L.Blau) في محاضراته التي ألقاها في أكثر من عشر جامعات ومعاهد دينية بأمريكا فقد قال (١):

"إن كل الأديان الكبرى قد واجهت أزمة منذ ميلاد الحضارة الحديثة، وكل هذه الأديان قد بذلت بطريقتها الخاصة جهودًا كبيرة لحل هذه الأزمة ولمواجهة الحياة العصرية والعلمانية المصاحبة لها. إن القرن التاسع عشر والقرن العشرين قد شهدا فترة إبداع عظيمة في هذه الأديان، وكان ذلك ببساطة بسبب أن هذه الأديان ينبغي أن تتوافق مع العصر الحديث أو تموت".

فكيف سعت هذه الأديان للتوافق مع العصر الحديث؟ أو بعبارة أدق: كيف سعت للملاءمة بينها وبين الحضارة الغربية الحديثة؟

إن ما يعنينا في هذا المجال إحدى المحاولات التي سعت لإيجاد هذه الملاءمة ووضع حل لتلك المعضلة الكبيرة. إنها حركة مراجعة وإعادة تفسير واسعة نشطت في داخل الأديان الكبرى داخل اليهودية وداخل النصرانية وداخل الإسلام أيضًا. إن هذه الحركة للمراجعة عرفت في الفكر الديني الغربي باسم العصرانية (Modernism). وكلمة عصرانية هنا لا تعني مجرد الانتماء إلى هذا العصر ولكنها مصطلح خاص. فما العصرانية؟


(١) Blau, "Modern Judaism varieties", p.٢٦.