للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اندفاعهم لترك دين آبائهم. وبدأت هذه التعديلات بتذليل الصعوبات اللغوية وكتابة الصلوات بلغة سهلة، وأدخلت آلة حديثة تعزف مع الصلاة. وبدأ ذلك في المدارس التي أنشأها خلفاء مندلسون بحجة أن العقول الصغيرة ينبغي أن تنال عناية خاصة. ولكن الأمر ما لبث أن استفحل، ووسط معارضة شديدة افتتح أول معبد يهودي على ضوء التعديلات الجديدة، وألف كتاب صلوات حديث باللغة الألمانية، وجاء في خطبة افتتاح المعبد: "إن الدنيا كلها تتغير من حولنا فلماذا نتخلف نحن؟ " (١).

وحتى تلك اللحظة كانت الحركة اندفاعًا دون فكر، فقد كانت تفتقد الأسس الفلسفية التي يقوم عليها نقدها لما سمي بالتقاليد القديمة، وقد ولدت تلك الفلسفة في العقد الرابع من ذلك القرن على يد جيل من المفكرين من أحبار اليهود (Rabbis) نقتصر على ذكر ثلاثة من أشهرهم.

من هؤلاء إشتاينهايم (Steinhiem) (١٧٩٠ - ١٨٦٦ م) (٢) الذي كان شديد التأثر بفلسفة كانط وقد طبع كتابه عن "الوحي في النظام العقدي اليهودي" في أربعة مجلدات بين عام (١٨٣٥) وعام (١٨٦٥ م)، ومن غير أن نغرق أنفسنا في تفاصيل مذهبه عن طبيعة الوحي، يكفي أن نذكر مبدأ هامًا ساهم به في الفكر التجديدى اليهودي، وهو أنه لا يرى الأخذ بنصوص التوراة حرفيًا، بل يرى الاختيار من بين هذه النصوص. أما كيف يتم هذا الاختيار فهو لا يقترح شيئًا منضبطًا، بل يرى أن ذلك الاختيار يتم وفق ما تمليه "دواعي الإيمان" (The act of faith)، وذلك متروك لكل عصر حسب ظروفه. وبهذا المبدأ وضع إشتاينهايم الأساس النظري لإجراء أي تعديل أو مراجعة للتعليم اليهودي.

أما هولدهايم (Holdheim) (١٨٠٦ - ١٨٦٠ م) (٣) فإنه أشاع مبدأ آخر وهو أن الشريعة الإلهية رغم أنها موحى بها من عند الله، فهي موقوتة بظروفها التي جاءت فيها، وليست دائمة، ولهذا فهو يرى أن كثيرًا من تشريعات التوراة والتلمود باطلة الآن ولا يجب الالتزام بها؛ لأنها كانت خاصة بزمن معين ومكان


(١) Blau,٢٨ - ٢٣.
(٢) Martin,P.٢٨١,Blau p.٣٥.
(٣) Martin,p,٤٢١,Blau p.٣٧.