للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقاعدة الثانية: التي يعتمد عليها سيد خان في فهم القرآن يوضحها بمثال: فإذا قال قائل إنني لن أفعل كذا حتى تطلع الشمس من المغرب، فهو يقصد أن يبين أنه من المستحيل أن يفعل ما يشير إليه، فهذا هو المعنى الأساسي من حديثه، أما ذكر طلوع الشمس من المغرب فهو معنى ثانوي، ولا يفهم من حديثه أنه يرمي إلى بيان أن طلوع الشمس من المغرب حقيقة أم لا. فهكذا القرآن فهو مشتمل على حقائق أساسية هي المقصودة من الحديث، ولكن هذه المعاني الأساسية تصاحبها معان ثانوية وفرعية مأخوذة من بيئة العرب وظروفهم، ولا يعني ذكر القرآن لها أنها حقائق (١).

والقرآن وحده عند سيد خان هو الأساس لفهم الدين أما الأحاديث فلا يعتمد عليها. ويثير في هذا الموطن بعض الشبهات، فالأحاديث غير صالحة للاحتجاج كما يزعم لأنها لم تدون في العهد النبوي بل دونت في القرن الثاني من الهجرة في عصر مضطرب بالصراعات السياسية والاختلافات الدينية، وهذا كان له أثره في كثرة الأحاديث الموضوعة كما أن كثيرًا من هذه الأحاديث قد روي بالمعنى، ولهذا فهي تحمل فهم الراوي للحديث وليست هي كلمات الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعينها. ويقول: إن المحدثين اهتموا بنقد السند والرجال ولم يهتموا بنقد متن الحديث ومحتواه، ويرى أن مهمة المسلمين اليوم هي استخدام ما يسميه مقاييس النقد العصري على الأحاديث "دون أن يفصل ما هي هذه المقاييس"، ولهذا فهو يقبل من الأحاديث فقط ما يتفق مع نص وروح القرآن وما يتفق مع العقل والتجربة البشرية وما لا يناقض حقائق التاريخ الثابتة. ويشير إلى تقسيم الأحاديث إلى متواترة ومشهورة وأحاديث آحاد، فيرى أن المتواترة مقبولة أما المشهورة لا تقبل إلا بعد أن تخضع للنقد أما أحاديث الآحاد فهو لا يميل إلى قبولها مطلقًا.

وحتى الأحاديث التي يقبلها وتصح فيها شروطه فهو يقسمها إلى قسمين: أحاديث خاصة بالأمور الدينية وأحاديث خاصة بالأمور الدنيوية، فالأمور الدينية مثل العقيدة عن الله سبحانه وصفاته، وشعائر العبادات، أما الأمور الدنيوية فهي تشمل المسائل السياسية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية. فالأحاديث في دائرة


(١) Dar, Pages ٢٠١ - ٢٤٥.