للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدولة، وبعد إلغاء الخلافة الإسلامية في تركيا بعام واحد؛ أي: في عام (١٣٤٤ هـ / ١٩٢٥ م) صدر في القاهرة كتاب مشهور بعنوان: "الإسلام وأصول الحكم" لأحد علماء الأزهر الشيخ علي عبد الرازق، مستمدًا نفس الفكرة الغربية الفصل بين الدين والدولة (١)، لا ليدافع عنها من ناحية علمانية بحتة ولكن ليضفي عليها الشرعية الإسلامية، وليعتبرها أحد أفكار الإسلام الجوهرية. والطريقة التي اتبعها علي عبد الرازق لإدخال هذه الفكرة الغربية في الإسلام، وإلباسها الزي الإسلامي بتأويل أحكام الكتاب والسُّنَّة والفقه، تضع كتاب هذا العالم الأزهري في قمة إنتاج فكر العصرانية.

وعلي عبد الرازق درس بالأزهر وحصل على العالمية منه، وتلقى محاضرات في تاريخ الأدب العربي وتاريخ الفلسفة في الجامعة المصرية على يد بعض المستشرقين، ثم سافر إلى إنجلترا ليكمل دراسته في جامعة أكسفورد، ولكنه لنشوب الحرب العظمى عاد إلى وطنه واشتغل بالقضاء الشرعي (٢). ولم يكن علي عبد الرازق تلميذًا مباشرًا لمحمد عبده، ولكنه كان أثرًا من آثار النزعة الحرة في مدرسته.

والفكرة الأساسية التي يدور حولها كتابه "إن الخلافة نظام تعارف عليه المسلمون تاريخيًا وليس في أصول الشريعة ما يلزم به، وقد تصدى لهذه الفكرة كتاب قبله أصدرته حكومة الكمالين وهو كتاب "الخلافة وسلطة الأمة". فكتاب علي عبد الرازق لا يكاد المرء يظفر فيه بفكرة جديدة، ولكن الكتاب يمتاز بجمال الأسلوب أكثر من امتيازه بالتزام المنهج العلمي، وخطورته ترجع إلى الظروف التي أحاطت بظهوره، كما ترجع إلى جرأته وعنفه في مصادمة عواطف الناس وفي تحدي مشاعرهم، وفي التشكيك الساخر أحيانًا فيما تطمئن إليه نفوسهم، دون أن يقدم الأدلة القوية الواضحة على ما يذهب إليه من مزاعم تخرج عن المألوف (٣).

والكاتب يجيد "الروغان" حول الآيات والأحاديث، وهو أكثر مهارة في


(١) انظر: "الفكر الإسلامي وصلته بالاستعمار الغربي" محمد البهي ص ٢٦٥.
(٢) "الإسلام والتجديد في مصر" تشالز آدمز، ترجمة: عباس محمود ص ٢٥٢.
(٣) "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" محمد محمد حسين ٢/ ٨٦.